الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 136 ] (ثم قال) : وعدم إيمانه بموسى إنما كان لأن موسى لم يبعث إليه ، كما في الحديث الصحيح : إن موسى لما سلم عليه قال له : وأنى بأرضك السلام؟ فقال : أنا موسى ، قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم . وقال في أثنائه : يا موسى إني على علم علمنيه الله لا تعلمه ، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه .

وأما محمد - صلى الله عليه وسلم - فدعوته عامة لجميع الخلق أسودهم وأحمرهم ، فلا يمكن الخضر وغيره أن يعامل محمدا - صلى الله عليه وسلم - ويخاطبه كما عامل موسى وخاطبه ، بل على كل من أدرك مبعثه أن يؤمن به ويجاهد معه ، ولا يستغني بما عنده عما عنده . وكل من جوز لأحد ممن أدركته دعوة الرسول أن يكون مع محمد كما كان الخضر مع موسى فهو ضال ضلالا مبينا ، بل هو كافر يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل .

ولهذا لم يكن في العلم بحياة الخضر بتقدير صحتها ولا في وجوده حيا منفعة للمسلمين ، ولا فائدة لهم في ذلك ، فإنه في المسند والنسائي عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة ، فقال : "أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي" .

فإذا كان هذا حال الأمة مع موسى فكيف مع الخضر وأمثاله؟ [ ص: 137 ] والمسيح إذا نزل إنما يحكم في الأمة بكتاب ربها وسنة نبيها . فليست هذه الأمة محتاجة في شيء من دينها إلى غير كتاب الله وسنة رسوله ، لا إلى شيء آخر ، ولا إلى غير نبي لا خضر ولا غيره ، فإن الذي يجيئهم إن جاءهم بما علم في الكتاب والسنة لم يحتج إليه فيه ، وإن جاءهم بخلاف ذلك كان مردودا عليه .

ولهذا كان أكثر من يتكلم في هذه الأشياء أهل الضلال والحيرة والتهوك الذين لم يستبينوا طريق الهدى من كتاب الله وسنة رسوله ، بل يتعلقون بالمجهولات ويرجعون إلى الضلالات . ونجد كثيرا منهم يعنون بالخضر الغوث .

(ثم أطال الكلام في تقرير ذلك) . [ ص: 138 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية