الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجماع الأمر ما قاله الفضيل بن عياض في قوله : ليبلوكم أيكم أحسن عملا قال : أخلصه وأصوبه ، قالوا يا أبا علي! ما أخلصه [ ص: 377 ] وأصوبه؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة .

وهذا كما قال تعالى : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : اللهم اجعل عملي كله صالحا ، واجعله لوجهك خالصا ، ولا تجعل لأحد فيه شيئا .

والعمل الصالح هو المشروع ، وهو طاعة الله ورسوله ، وهو فعل الحسنات التي يكون الرجل به محسنا . قال تعالى : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا . وقال : بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

ولا بد في الرباط والهجرة والجهاد وسائر الأعمال الشرعية من السنة التي هي روح العمل ، كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه" . [ ص: 378 ]

وفي الصحيحين عنه أنه قيل له : يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال : "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" .

قال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير .

فالله تعالى يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين لما يحبه ويرضاه لنا من الأحوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، ويجنبنا ما يكرهه لنا من ذلك كله .

وأعظم من ذلك أن يتشاغل المسلمون بقتال بعضهم بعضا ، كما يجري بين أهل الأهواء من القبائل وغيرها ، كقيس ويمن وجرم وتغلب ولخم وجذام وغير هؤلاء ، مع مجاورتهم للثغور ، فيدعون الرباط والجهاد الذي هو سعادة الدنيا والآخرة -كما قال تعالى : قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين يعني : إما النصر والظفر ، وإما الشهادة والجنة- ويشتغلون بقتال الفتن والأهواء الذي هو خسارة الدنيا والآخرة .

وفي الصحيحين عن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه [قال] : "إذا [ ص: 379 ] التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" . فقيل : يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : "إنه كان حريصا على قتل صاحبه" .

وقد قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون .

وهذه الفتيا لا تحتمل البسط في هذه الورقة ، وإنما نبهنا على النكت الجامعة .

(والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل) . تمت [ ص: 380 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية