الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 227 ] وقد يتنازعون في بعض أمور الدين ، فإذا تنازعوا في شيء من ذلك ردوه إلى الله تعالى ورسوله ، والكتاب والسنة ، كما أمر الله ورسوله ، وليس أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبع كل ما يقوله ويفعله ، بل كل أحد يؤخذ من قوله وفعله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه الإمام الذي فرض الله طاعته وأوجب متابعته .

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته : "إن أصدق الكلام كلام الله ، وإن خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة" .

فمن اتبع رجلا غير الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- في كل أقواله وأفعاله معرضا عن الكتاب والسنة ، أو غلا في محبة بعضهم وتعظيمه حتى جاوز به حده ، وفضله على نظرائه تفضيلا كثيرا بلا بينة ، فهو مضاه للنصارى الذين قال الله في حقهم : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله الآية ، وقال تعالى : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا الآية ، وقال تعالى : قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله الآية ، وقال تعالى : قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم الآية . [ ص: 228 ]

فإن الله تعالى ذم النصارى بكونهم غلوا في الأنبياء والعلماء والعباد حتى جاوزوهم حدهم ، فعبدوهم حيث أطاعوهم فيما ابتدع الأحبار والرهبان من الدين ، وحللوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال ، هكذا فسره النبي - صلى الله عليه وسلم -; واعتقدوا في المسيح نوعا من الإلهية ، وضاهاهم على ذلك من اعتقد في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من الأئمة أو بعض الأنبياء نوعا من الإلهية ، ومن اعتقد في بعض الشيوخ نوعا من الإلهية ، حتى إنهم سجدوا لهم أحياء وأمواتا ، ويرغبون إليهم في قبورهم في جلب المنافع ودفع المضار ، كما كان المشركون يرغبون إلى آلهتهم ، ولهذا قال سبحانه وتعالى : قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا .

قال ابن مسعود وغيره : كان أقوام يدعون عزيرا والمسيح والملائكة ، فقال الله تعالى : هؤلاء الذين تدعونهم يتقربون إلى الله كما تتقربون إليه ويرجون الله ويخافونه .

كما قال بعض الفقهاء : إن بعض الفقراء أوصاه عند موته : إذا كان لك حاجة أو أمر مهم أو ضيق استوحني أو استوح بي .

نعوذ بالله من الشرك والضلال ، وهم لا يملكون كشف الضر [ ص: 229 ] عنكم ولا تحويلا ، وكما قال سبحانه : قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له

وقال تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وقال تعالى : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى .

فهؤلاء الضلال عمدوا إلى ما لم يشرعه الله تعالى من البدع والضلالات والغلو في الصالحين ، وتمسكوا به وعمدوا إلى دين الله تعالى الذي بعث به رسوله فأعرضوا عن بعضه; وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت" .

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سأله جبريل عليه السلام عن الإسلام والإيمان والإحسان قال : "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ، والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته [وكتبه] ورسله والبعث بعد الموت [ ص: 230 ] وتؤمن بالقدر خيره وشره ، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وقال : "هذا جبريل أتاكم ليعلمكم" .

التالي السابق


الخدمات العلمية