الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم هذه الوظائف السلطانية التي ليس لها أصل في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه الراشدين ، ولا ذكرها أهل العلم المصنفون للشريعة في كتب الفقه من الحديث والرأي ، هي حرام عند المسلمين ، حتى [ذكر ابن حزم] إجماع المسلمين على ذلك ، فقال . ومع هذا [ ص: 395 ] فبعض من وضع بعضها وضعه بتأويل واجتهاد علمي ديني ، واتفق على ذلك الفتوى والرأي من بعض علماء ذلك الوقت ووزرائه ، فإنه [لما] قامت دولة السلاجقة ونصروا الخلافة العباسية ، وأعادوا الخليفة القائم إلى بغداد ، بعد أن كان أمراء مصر من أهل البدع أولئك الروافض قد قهروه وأخرجوه عن بغداد ، وأظهروا شعار البدع في بلاد الإسلام ، وهي التي تسمى فتنة البساسيري في نصف المائة الخامسة حدثت أمور :

منها : بناء المدارس والخوانق ووقف الوقوف عليها ، وهي المدارس النظاميات بالعراق وغيره ، والرباطات كرباط شيخ الشيوخ وغير ذلك .

ومنها : ذهاب الدولة الأموية من المغرب وانتقال الأمر إلى ملوك الطوائف .

وصنف أبو المعالي الجويني كتابا للنظام سماه "غياث الأمم في التياث الظلم" ، وذكر فيه قاعدة في وضع الوظائف عند الحاجة إليها للجهاد ، فإن الجهاد بالنفوس والأموال واجب ، بل هو من أعظم واجبات الدين ، ولا يمكن حصول الجهاد إلا بأموال تقام بها الجيوش ، إذ أكثر الناس لو تركوا باختيارهم لما جاهدوا لا بأنفسهم ولا بأموالهم ، وإن ترك جمع الأموال وتحصيلها حتى يحدث فتق عظيم من عدو أو خارجي كان تفريطا وتضييعا . فالرأي أن تجمع الأموال ويرصد للحاجة .

وطريق ذلك أن توظف وظائف راتبة لا يحصل بها ضرر ، ويحصل [ ص: 396 ] بها المصلحة المطلوبة من إقامة الجهاد . والوظائف الراتبة لا بد أن تكون على الأمور العادية ، فتارة وظفوها على المعاوضات والأملاك ، مثل أن يضعوا على البائع والمشتري في الدواب والحبوب والثمار وسائر الأطعمة والثياب مقدارا ، إما على مقدار المبيع وإما على مقدار الثمن ، ويضعوا على الجعالات والإجارات ، ويضعوا على العقار من جنس الخراج الشرعي ، وكان ما وضعوه تارة يشبه الزكاة المشروعة من كونه يوجد في العام على مقدار; وتارة يشبه الخراج الشرعي; وتارة يشبه ما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحرب .

ومنهم من يعتدي ، فيضع على أثمان الخمور ومهور البغايا ونحو ذلك مما أصله محرم بإجماع المسلمين ، ومنهم من يضع على أجور المغاني من الرجال والنساء ، فإن الأثمان والأجور تارة تكون حلالا في نفسها ، وإنما المحرم الظلم فيها ، كغالب الأثمان والأجور ، وتارة تكون في نفسها حراما ، كأثمان الخمور ومهور البغايا . وكان بعد موت الملك العادل بالشام قد وضعه ابنه ذلك على دار الخمر والفواحش ، فبقي غير ممنوع من جهة السلطان ، لما له عليه من الوظيفة ، وكان ذلك سنة خمس عشرة [وستمائة] .

وفي ذلك الوقت ظهرت دولة المغل جنكسخان بأرض المشرق ، واستولى على أرض الإسلام ، وظهرت النصارى بمصر في مملكة الأفرون ، وظهرت بدع في العلماء والعباد ، كبحوث ابن الخطيب [ ص: 397 ] وجست العميدي وتصوف ابن العربي وخرقة اليونسية وبعض الأحمدية والعدوية وغير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية