الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فنحن نشاهد الهواء يستحيل ماء إذا وضع في الزجاج ، ونحوه ثلج صار عليه ماء يقطر ، ومعلوم أن الثلج لم يثقب الزجاج ، بل الهواء الذي أحاط به برد فاستحال ماء ، كما يحيل الله سحابا وماء . هذا مشهود ، يكون الإنسان على حيد ، فيرى البخار قد صعد من البحار فانعقد سحابا ، وينظر تحته وهو أعلى منه في الشمس على رأس الجبل . وكذلك الهواء يستحيل نارا ، فإذا قرب ذبالة المصباح إلى النار أوقد ، مع أنه لم يخرج من تلك النار شيء ، ولكن الهواء المحيط بالذبالة استحال نارا لما سخن سخونة شديدة . فالهواء يبرد فيستحيل ماء ، ويسخن فيستحيل نارا .

وكذلك ما يقدح النار ، قال تعالى : فالموريات قدحا ، وقال : أفرأيتم النار التي تورون الآيات ، وقال تعالى : الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون . والعرب يقولون : "في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار" ، يأخذون عودين أخضرين يحكون أحدهما بالآخر حتى يسخن ، فإن الحركة [ ص: 173 ] توجب السخونة ، والسخونة تحصل بالحركة وبالنار وبالشعاع ، فإذا سخن انقدح منه نار باستحالة بعض تلك الأجزاء نارا ، وما كان هناك قبل هذا نار ، بل سبحانه يحدث النار عند باقية بعينها ، وهي جوهر يقوم بها الصورة كما يقوله من يقول ذلك من المتفلسفة ، فقوله خطأ ، بل المادة استحالت فخلق منها شيء آخر ، والأولى هلكت وأعدمها الله على هذا الوجه ، كما أوجد ما خلق منها على هذا الوجه . وقد بسط الكلام على هذا في موضع آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية