الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما .

[20] وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة فعجل لكم هذه أي: مغانم خيبر.

وكف أيدي الناس عنكم هم قبائل من أسد وغطفان هموا أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة في غيبتهم في غزوة خيبر، فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم.

ولتكون هذه الكفة آية للمؤمنين على صدقك.

ويهديكم صراطا مستقيما يثبتكم على الإسلام.

ولما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية، أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم، ثم خرج في بقية المحرم سنة سبع من الهجرة إلى خيبر، وهي على ثماني برد من المدينة، فأشرف عليها، وقال لأصحابه: "قفوا، [ ص: 345 ] ثم قال: اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا باسم الله" ونزل عليها ليلا، وكان إذا غزا لم يغر حتى يصبح، فإن سمع أذانا، كف عنهم، وإن لم يسمع أذانا، أغار عليهم، فلما أصبحوا، خرجوا إلى عملهم بمكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوه عادوا وقالوا: محمد والخميس، يعنون: الجيش، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" ثم حاصرهم وضيق عليهم، فخرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول:


قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب     أطعن أحيانا وحينا أضرب
إذا الليوث أقبلت تلتهب

فبرز إليه عامر وقال:


قد علمت خيبر أني عامر     شاكي السلاح بطل مغامر

فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له، فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه، فمات رضي الله عنه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "له أجره مرتين" وكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه، فلما أصبحوا، جاء علي، فتفل النبي -صلى الله عليه وسلم- في عينيه، فما اشتكى رمدا بعدها، فلما مات عامر، برز علي لمرحب بعد أن أعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراية، وقال رضي الله عنه: [ ص: 346 ]


أنا الذي سمتني أمي حيدره     أكيلهم بالسيف كيل السندره
ليث بغابات شديد القسوره



واختلف بينهما ضربتان، فسبقه علي -رضي الله عنه- وضرب رأسه فقتله، فسقط عدو الله ميتا.

وكان فتح خيبر في صفر على يد علي رضي الله عنه، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأموال، وفتح الحصون، ورجع إلى المدينة، وأصاب سبايا منهن صفية بنت حيي، فاصطفاها -صلى الله عليه وسلم- لنفسه، وجعل عتقها صداقها، وهو مذهب الإمام أحمد -رضي الله عنه- مستدلا بذلك، فإذا قال الرجل لأمته القن، أو المدبرة، أو المكاتبة، أو أم ولده، أو المعلق عتقها على صفة: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، أو جعلت عتق أمتي صداقها، أو صداق أمتي عتقها، أو قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها، أو أعتقتك على أن أتزوجك وعتقك صداقك، صح إن كان متصلا بحضرة شاهدين، وينعقد النكاح والإعتاق، ويصح جعل صداق من بعضها رقيق عتق ذلك البعض، وإن طلقها قبل الدخول، رجع عليها بنصف قيمتها، فإن لم تكن قادرة، أجبرت على الاستسعاء، ولو أعتقها بسؤالها على أن تنكحه، أو قال: أعتقتك على أن تنكحيني، ورضيت، صح، ثم إن نكحته، وإلا لزمتها قيمة نفسها، وهذا من مفردات مذهب أحمد; خلافا للثلاثة رضي الله عنهم. [ ص: 347 ]

وفي غزوة خيبر أهديت للنبي -صلى الله عليه وسلم- الشاة المسمومة، فأخذ منها قطعة ولاكها، ثم لفظها، وقال: "تخبرني هذه الشاة أنها مسمومة".

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية