الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : وصاياه موقوفة : إن مات فمن الثلث ، أو صح فمن رأس المال ، إلا أن تكون له أموال مأمونة ينفذ عتقه معجلا وتقبض الهبات والصدقات قبل الموت . وقاله فقهاء الأمصار . وقال داود : تصرفه كتصرف الصحة ، وللجماعة حديث الستة الأعبد لقوله - عليه السلام - : ( إن الله أعطاكم ثلث أموالكم ) الحديث .

                                                                                                                تنبيه وتمهيد : قد تقدم تقديم بعض الأنواع على بعض التراجم الفقهية ، وإفراد النوع الواحد هل يقدم منها ما تقدم سببه بالزمان ؟ قال مالك في المدونة في كتاب التدبير : من مات ومدبرين في صحة أو مرض أو في مرض ثم صح مدبر أو مرض مدبر فلذلك سواء يبدأ الأول فالأول إلى مبلغ الثلث ، وما بقي رق ، فإن دبرهم في كلمة واحدة في صحة أو مرض عتق جميعهم إن حملهم الثلث . وإن لم يحملهم لا يقدم أحد على أحد بل يفض الثلث على جميعهم بالقيمة ، وإن لم يدع غيرهم عتق ثلث كل واحد ولا يقرع بينهم بخلاف المبتلين في المرض في الثلث ، قوله في الكتاب : يتحاص المدبر والمبتل ، يريد : إذا كانا في فور واحد ، وإلا بدئ الأول ؛ لأنه تقرر حقه فليس له إبطاله ، ويراعى سبق الزمان في الزكاة والمبتل ، فقوله في المدونة : تبدأ الزكاة . معناه : إذا كان الجميع في فور ، أو قدم الوصية بالزكاة ، وإن [ ص: 105 ] تقدم العتق قدم على الزكاة لتقرره فليس له إبطاله ، فقد حصل النقل في هذه الثلاثة أنواع : التدبير ، والتبتيل ، والزكاة معهما ، فهل تجري على ذلك كفارة القتل والظهار ، وسائر الأنواع بطلب النقل فيه ؟ أو يفرق بين مورد النقل بالفروق الفقهية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا شهد أن أباهما أعتق هذا العبد وهو الثلث ، وشهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث : إن اتهما في جر ولائه سقطت شهادتهما ، وجازت الوصية وإلا جازت كما إذا كان معهما من الورثة نساء . قالالتونسي : إذا كان معهم من الورثة نساء ووصية يتهمان لاختصاصهما بجر الولاء ( إن كان العبد يتهم في مثله وتبقى تهمتهم على الوصية ، فإنها لا يعود عليها منها شيء بخلاف الولاء ) ونفذها محمد مطلقا ؛ لأن للميت العتق في المرض فيتخصص الذكران بالولاء ، وإذا رد ابن القاسم شهادتهما عتق عليها لإقرارهما بحريته وأنهما غصبا الثلث ، ولم يجعلهما كما إذا غصب من المال شيء أو ضاع لا يعتق إلا ( في ثلث الباقي إن حمله ، وقال أشهب : لا يعتق إلا ثلثاه ) وجعل الثلث المأخوذ للوصية كجائحة أتت على المال . قال : وهو الأشبه ، ونحو هذا : إقرار أحدهما بمائة وقد ترك مائتين لهما . والمقر لا تجوز شهادته ، فعند أشهب : تعطى مائة للدين ، وما أخذه أخوه كجائحة طرأت على المال ، وعند ابن القاسم : يعطى خمسين للدين ويعد ما أخذ بالحكم كأنه قائم ، ويقول : إنما لك عندي خمسون ، وخمسون غصبها أخي فخذها منه ، فإن كان المقر عدلا حلف معه صاحب الدين على مذهب ابن القاسم ، وعلى [ ص: 106 ] مذهب أشهب : لا ينبغي أن يحلف لاستحقاقه المائة بالإقرار ، فهو غير منتفع بيمينه ، بل هو يحلف ليأخذ غيره ، وهو نحو قولهم في الشهادة في عدم الغريم : يحلف صاحب الدين معه ، وهو لو شاء أخذ الحميل لما أنكر المديون ، فصار المنتفع الحميل ، فإن شهدت بينه بالثلث لزيد وأخرى بالثلث لعمرو في موطنين قسم الثلث بينهما لإمكان كونه وصى به مرتين ، أو في موطن واحد ، فهو تكاذب يحكم بأعدل البينتين ؟ فإن كان المردود شهادتهما ولدين فليس للمشهود عليهما بالثلث شيء ؛ لأنهما يقولان : غصب الثلث الموصى به لك ، وليس علينا تعويضك ، وإن تكافأتا في العدالة سقطتا وصدق الورثة لمن أقروا له عند ابن القاسم القاتل : إن البينتين إذا تكافأتا في شيء ادعاه رجل في يد ثالث ، هو للذي هو في يديه إن ادعاه لنفسه أو لمن أقر له به منهما ، وعند من يقول : لا يكون لمن هو في يديه لاتفاق البينتين على أنه ليس له وأنه يكون لهما بعد أيمانهما ، فعلى هذا يتحالفان ويكون لهما لاتفاق البينتين على إخراجه من ملك الميت ، ولو شهد الوارثان بعبد لزيد وصى به الميت هو الثلث ، وشهد أجنبيان بوصية الثلث لعمرو وليس الوارثان عدلين ، أو يتهمان لمن شهدا له ، يخرج الثلث بشهادة الأجنبيين ، ودفعا العبد لزيد عند ابن القاسم كالعتق سواء . وعند أشهب : ثلثه كما لو ذهب الثلث بجائحة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو حر ، ولم يترك سواه ، ولم تجز الورثة ، بدئ بعتق العبد بتلا ، وسقطت الخدمة ، وعليه أكثر الرواة ، فإن أوصى بخدمة عبده سنة ، أو سكنى داره سنة . وليس له مال غير ما أوصى فيهما وما لا يخرج منه ، خير الورثة في الإجازة أو يقطع ثلث الميت من كل شيء للموصى له ؛ لأنه مرجع الوصايا عند عدم الإجازة ، وأما إن أوصى برقبة عبد أو دار لا يحملها الثلث ، فله محمل الثلث من تلك الأعيان لتعلق اللفظ بها ، فإن أوصى [ ص: 107 ] بخدمته سنة أو حياته ، ثم هو لفلان : فإن حمله الثلث بدئ بالخدمة ؛ لأنه مقتضى اللفظ اتفاقا ، فإن انقضت الخدمة أخذه صاحب الرقبة ، زادت القيمة أم نقصت ، وإن حمل الثلث بعضه - خدم ذلك البعض إن كان نصفه - خدم يوما للورثة ويوما الموصى له حتى ينقضي ، فهو لصاحب الرقبة ، وللورثة بيع حصتهم قبل السنة . قال صاحب التنبيهات : قال فضل : ينبغي أن ينظر قيمة الخدمة وقيمة الرقبة بعد مرجعها فتكون قيمة الخدمة للموصى له بها شائعة ، فإن اغترقت الثلث فلا شيء لصاحب مرجع الرقبة لتبدئة هذا عليه ، وإن كان فضلا فله في العبد ، وبقيته للورثة . قال بعض الشيوخ : ويضرب صاحب الخدمة بقدرها . وصاحب الرقبة بقيمتها ، على أنها لا خدمة فيها ، وهو معنى قول ابن القاسم ، وقال غيره : إنما يتحاصص بقيمة مرجع الرقبة ، وهو مروي عن ابن القاسم . قال صاحب النكت : إنما أعتق ثلثه بتلا في المسألة الأولى إذا لم يجز الورثة ولم يتأخر إلى الأجل ؛ لأن غرض السيد أن يعتق جملته إلى الأجل ، فإذا بطلت غرضه نفذتا الآن ما كان يقدر عليه في الوصية . قال التونسي : مقتضى وصيته تقديم الخدمة على الوصية فكيف سقطت ؟ وقد قال أشهب : يخدم بثلثه الموصى له بالخدمة سنة ثم يعتق ذلك الثلث نظرا للفظ الوصية ، على أن ابن القاسم كان يقول : كان الميت إذا لم يجيزوا يقول : نفذوا ثلثي في الوصايا التي أوصيت بها منجزا ، فصار في الوصايا مال وعتق ، فيقدم العتق فإن قال : الورثة يجيزوا العتق دون الخدمة ، بقي معتقا إلى أجل ، وللموصى له خدمة ثلثه فقط ؛ لأنه محمل الثلث ، ولا حجة له لقدرة الورثة على تعجيل العتق فتسقط الخدمة . قال ابن يونس : لو أجازوا الخدمة دون العتق عتق ثلثه بتلا ، وخدم باقيه بقية الأجل ، للعبد يوم وللمخدوم يومان ، فإذا [ ص: 108 ] انقضت الخدمة رجع ثلثاه للورثة رقا ، فإن قال : يخدم فلانا سنة ثم هو كذلك بعد سنتين : قال أشهب : إن حمله الثلث خدم الأول سنة ثم الورثة سنتين ثم أخذه الآخر . فإن كان العبد ثلثي الميت تحاصا في الثلث ، هذا بخدمته سنة ، وهذا بمرجع الرقبة على غررها يشاركان الورثة فيما أصابهما في جميع التركة ، هذا إذا لم يجز الورثة ، قال اللخمي عن مالك : إذا أوصى بخدمته سنة ثم هو حر ولم يحمله الثلث ولم يجيزوا : ينظر إلى ما حمله الثلث ، يخدم فلانا سنة ثم يعتق الجزء بعد انقضائها ، وهو خلاف المشهور كما تقدم ، ولم يختلف إذا جعل المرجع بعد الخدمة لفلان ، لا يبدأ أحدهما على الآخر لهما منه ما حمله الثلث ، يخدم الموصى له بالخدمة ذلك الجزء فإذا انقضت عاد لمن له المرجع ؛ لأنه قصد قسمة ذلك بينهما . قال : قال : يخدم فلانا سنة ولم يحمله الثلث ولم يجيزوه : قطع للموصى له بالثلث شائعا ، وإن قال : له خدمته حياة العبد : قطع له في عين العبد بخلاف الأول : لأنه هاهنا أخرج العبد جملة عن الورثة فأشبه الوصية برقبته ، وبما عاوضهم على نصيبه بما أخذه من خدمة العبد على أن أعطاهم ما له فيه من المرجع ، وكذلك إذا قال : يخدم ورثتي سنة ثم هو لفلان فيه معاوضة من الثلث ، فإن لم يجيزوا قطع له بالثلث ، وإن قال : يخدم فلانا سنة ثم ورثتي سنة ثم مرجعه لفلان ولم يحمله الثلث قطع للموصى لهما بالثلث شائعا لهذا بقيمة خدمته سنة ، وللآخر بقيمة المرجع بعد سنتين ، وإن قال : يخدم فلانا عشر سنين ثم هو لفلان وجعل آخر لفلان تحاصا فما صار لهما بالخدمة والمرجع بقيمة ذلك العبد يبدأ الآن ؛ لأنه أخرج جميعه لهما ، فما نال المخدم خدم الموصى له مما حمل الثلث منه ، ومرجع ذلك القدر لمن جعل له ، وما ناب الآخر أخذه في عين ذلك العبد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية