الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 77 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : اشتروا عبد فلان لفلان ، أو فأعتقوه ، أو بيعوا عبدي من فلان ، أو ممن أحب ، أو ممن يعتقه ، فامتنع المشتري أن يشتريه بمثل القيمة ، أو البائع أن يبيعه في الشراء أو نقص في البيع ما بينه وبين ثلث قيمته إلى ثلث المبيع كأنه أوصى له بأحد الثلثين ، فإن امتنع المشتري أو البائع من الموصي . بتلك الزيادة أو النقصان انتظر المشتري للعتق إن رضي بائعه وإلا رجع ثمنه ميراثا ؛ لأن ذلك هو الممكن . رواه ابن القاسم ، وروى ابن وهب : ينظر ما رجى بيعه إلا أن يفوت بموت أو عتق ، وأما الذي يشتري لفلان فيدفع ثمنه وثلث ثمنه للموصي أن يشتري له ؛ لأنه القدر الذي وصى به له إن كان السيد امتنع طلبا للزيادة ، وإن امتنع مطلقا غبطة بالعبد رجع الثمن ميراثا كما لو أوصى بمعين فهلك . وقال غيره : هما سواء ، ويوقف الثمن وثلثه حتى يؤيس من العبد فيورث ؛ لأنه لم يرض الموصى له بالعبد بعد شرائه إلا بعبد فلا يأخذ مالا كما لو أوصى له بعبد فمات ، وأما الذي أوصى له بأن يباع منه فطلب زيادة وضيعة على الثلث : فيخير الورثة بين بيعه بما سئلوا أو يعطوه ثلث العبد ؛ لأن الوصية بالبيع منه على التعيين مظنة الوصية له ببعض العبد ، والثلث أصل في الوصية فيرجع إليه . وأما الذي يباع ممن أحب دون رجل بعينه ، وطلب المشتري وضيعة أكثر من ثلث الثمن يخير الورثة بين بيعه بما سئلوا أو يعتقوا ثلث العبد ؛ لأن الوصية له في المعنى . رواه ابن القاسم ، وروى غيره : ليس على الورثة غير بدل ثلث الثمن . فإن لم يجدوا من يشتري به لا شيء عليهم ؛ لأن الوصية إنما تشعر بخلاصه من ملكهم إن أحب لا بالعتق ، ولم يختلف قوله في المشتري للعتق . وأما الذي يباع ممن يعتقه فيخير الورثة بين بيعه بما أعطى فيه أو يعتقوا ثلثه ؛ لأن العتق المقصود . قال صاحب النكت : إذا لم يجدوا [ ص: 78 ] من يشتري العبد بما يلزمهم من الوضيعة ، والثلث يحمل العبد فهاهنا يقطع بثلث العبد ، وإن لم يحمله قطع بثلث الثلث ولا يقتصر على ثلث العبد . قال أشهب : إذا قال : بيعوا من فلان فعليهم إعلامه بالوصية ؛ لأنه له . فإن باعوه بأكثر من الثلث رجع عليهم إذا علم بالزائد ؛ لأنه حقه بالوصية ، وكان ابن القاسم يقول : لا يرجع ؛ لأن ظاهر الوصية قد نفذت ، وإذا اشتراه بأكثر من قيمته بكثير رجع بعد علمه بثلث القيمة لا ثلث الثمن ؛ لأنه الذي اقتضته الوصية . قال أشهب : وإن قال : بيعوه ممن يعتقه أو ممن أحب : ليس عليهم إعلام المشتري بذلك ؛ لأن الوصية للعبد ، وليس عليهم وضع شيء من ثمنه إذا وجدوا من يعطي ، وإذا اشتراه بأكثر من ثلثي القيمة ولم يعلم ، لا يرجع بشيء ولو بذل لهم ثلثي الثمن فأكثر لزمهم بيعه إن حمله الثلث . قال ابن أبي زيد في قوله : بيعوه ممن أحب ، أو من فلان أو ممن يعتقه يلزمهم بيعه بثلثي قيمته : إنما ذلك إذا حمله الثلث . قال أشهب : لو كان العبد المال كله ، أولا يخرج من الثلث ، لم يلزمهم بيعه بوضيعة ولا بثمنه كله ، بل يخيروا بين بيعه بثلثي ثمنه أو يعتقوا منه ما يحمله الثلث ؛ لأن الوصية له ، وأما بيعوه من فلان : فيخيروا بين بيعه بثلثي ثمنه أو يعطوا لفلان الثلث الميت من كل شيء ؛ لأن الوصية له . قال سحنون : ليس للمريض أن يوصي ببيعه من أحد إن لم يحمله الثلث وإن لم تكن فيه محاباة ؛ لأن الورثة قد ملكوا الثلثين بعد الموت فليس له الوصية ببيعه . قال أشهب : وكذلك لو لم يملك غير عبد فأوصى بثلثه لرجل ، وأن يباع ثلثاه بقيمتهما . فلا وصية له في الثلثين . قال أشهب : فإن أوصى أن يباع ولم يقل من فلان ، ولا ممن أحب ، ولا ممن يعتقه ، إن شاء الورثة باعوه أو تركوه ؛ لأنه ليس فيه حق لأحد . قال بعض القرويين : إذا أوصى أن يباع من رجل سماه جعلت قيمة رقبته في الثلث ، فإن حملها جازت بخلاف لو باع عبدا وحابى فيه في مرضه يجعل في الثلث المحاباة خاصة ؛ لأنه مثل البيع على نفسه وعلى الورثة ، والذي أوصى أن يباع يلزم الورثة دون نفسه ؛ لأنه لو باشره لم يلزمه من ذلك شيء . قال التونسي : إذا أوصى أن يباع عبده من فلان : عليهم إعلام فلان عند أشهب دون ابن [ ص: 79 ] القاسم ، فإن أبى شراءه بوضيعة الثلث أعطي الثلث عند ابن القاسم ولا شيء له عند غيره ، كأنه رد الوصية ، ولم يقل ابن القاسم في الذي أوصى أن يشتري عبده فامتنع من بيعه : إنه يعطى ثلث الثمن كما قال في الذي أوصى أن يباع منه وهما سواء . قال مالك : إن أوصى أن يشترى عبد فلان لفلان ، فامتنع من بيعه بقدر زيادة ثلث الثمن ، يعطى الثمن وثلثه لمن أوصى له بالعبد بعد شرائه . قال : وهو مشكل ؛ لأنه أوصى له بعبد لا بثمن . ولو باع البائع العبد لم يكن له غيره ، فإذا امتنع البائع : إما أن يكون للبائع الثلث الزائد كالذي يمتنع من الشراء أو يكون الثلث الزائد للورثة . فلو كان ثمن العبد ثلاثين فهو بزيادة الثلث أربعون ، وثلث الميت عشرون فيقول البائع : أبيع نصفه لتحصل زيادة خمسة ، ينبغي أن يكون ذلك له ، ثم يسلم ذلك للموصي ، فإن امتنع لشركة في العبد لا ضنا منه بالعبد : ينبغي على مذهب ابن القاسم تسليم العشرين له إن يطلب البائع الخمسة وحدها ويمتنع من البيع خشية الشركة في العبد ينبغي أن يكون ذلك له كقوله في الذي امتنع من الشراء : إن له ثلث العبد ، وهاهنا أولى ؛ لأنه امتنع خشية الضرر بالشركة لا ضنا منه بالقيمة ، قال ابن يونس : إذا أوصى بوصايا وأن يشترى عبد فلان لفلان بحصة أقل من ثمنه وثلث ثمنه وامتنع البائع من بيعه : رجع للورثة على أحد القولين ، ولا يقسم منه لأهل الوصايا كرد بعض أهل الوصايا ، وهو الأشبه . قال أشهب : إذا أوصى ببيعه ممن أحب ووصايا وضاق الثلث : إن أجاز الورثة وإلا جعلوا الثلث فيدخل العتق ويبدأ به فيه ، فإن فضل شيء فللوصايا ، وقاله ابن القاسم ، وفي كتاب محمد : يحاص بثلث ثمنه ذلك وذلك الذي يوضع لمن أحب العبد أن يشتريه أو رضي الورثة ؛ لأن بقيته لا يلزمهم بيعه وينبغي على مذهب ابن القاسم إن لم يشتره أحد يعتق ثلثه ويبدأ على الوصايا فيعتق ما حمل الثلث ، وعن مالك : إذا أوصى أن يباع ممن أحب وبوصايا يوضع ثلث ثمنه ولا يبدأ عليها .

                                                                                                                قال أشهب : وإذا بيع للعتق وظهرت وصايا لا تضر ، ولو قال : يباع ممن أحب أو من [ ص: 80 ] فلان حاصه به أهل الوصايا ، قال : ولو طرأ دين لرد عتقه أو بيعه ممن أحب إلا أن يسع الثلث ، وإن لم يسع الثلث وقد بيع ممن أحب فأعتقه رجع على المشتري بما وضع له ونفذ العتق . قال مالك : وإذا قال : بيعوه ولم يقل للعتق ، ولا من فلان ، ولا ممن أحب ، لهم عدم بيعه لعدم تعلق حق بالمبيع لأحد ، ولو قال : يخير في البيع والبقاء لبيع إن خرج من الثلث وشاء العبد ؛ لأنها وصية له ، ولا يوضع لمشتريه شيء ؛ لأنه بيع غير متقرر ، ولم يخص أحدا بعينه ، وإذا أوصى ببيعه ممن أحب أو من فلان فأعتقه الورثة فليس ذلك لهم ، ويبيعونه بوضيعة الثلث ، ولو قال : ممن يعتقه فأراد الورثة كلهم عتقه كان ذلك لهم ؛ لأن المقصود العتق . قال ابن كنانة في الذي يباع ممن أحب : لا يقام للمزايدة بل يجمع له الإمام ثلاثة أو أربعة فيقوم ويحط ثلث القيمة ، فإن أحب رجلين تزايدا عليه على أن يحط الثلث . فمن وقع عليه وضع ثلث ذلك الثمن عنه . فإن أحب رجلا فاشتراه : قال أشهب : له الانتقال إلى غيره ، وثالث ورابع ، ما لم يطل حتى يضر بالورثة . قال : اللخمي إذا : قال بيعوه ممن أحب فأحب أحدا بيع منه . فإن لم يشتره بقيمته ، حط إلى مبلغ ثلث قيمته ، فإن لم يرض فقولان لمالك ، يخير الورثة بين بيعه بذلك وعتق ثلثه ، وعنه يكون رقيقا ؛ لأن الوصية لم تقتض أكثر مما فعلوه ، قال : ويزاد الثلث وينقص في هذه المسائل إلا في مسألتين : بيعوه من فلان للعتق أو بيعوه للعتق ، ولم يسم فلانا ، وأما الانتظار فيختلف : إن كان الامتناع من الموصى له لم ينتظر نحو : اشتروا عبد فلان فيأبى البائع ، أو بيعوا عبدي من فلان فيأبى الشراء فلا انتظار ؛ لأن الموصى له رضي بترك الوصية ، وإن كان الامتناع من غير الموصى له نحو : اشتروه للعتق فيأبى سيده بيعه فالعبد له حق في العتق ، ولم يكن الامتناع منه ، قال ابن القاسم : الثمن ميراث بعد الانتظار ، ولم يجزه . وفي كتاب الوصايا الثاني بعد اليأس ، وقيل : لا ينتظر ، وكذلك الجواب إذا قال : بيعوه من فلان للعتق فامتنع فلان من الشراء ، واختلف إذا قال : اشتروا عبد ولدي فأعتقوه ومعه ورثة ، فقال مرة : لا يزاد [ ص: 81 ] على قيمته ، وعنه : يزاد ثلث قيمته ؛ لأنه قد يعلم هذه الزيادة حتى يكون وصية لوارث .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية