الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون .

[73] فقلنا اضربوه يعني: القتيل.

ببعضها أي: ببعض البقرة، وذلك البعض هو العظم الذي يلي الغضروف، وهو المقتل في قول ابن عباس، وأكثر المفسرين، وقيل: بذنبها، ففعلوا ذلك، فقام القتيل حيا بإذن الله تعالى، وأوداجه تشخب دما، وقال: قتلني فلان، ثم سقط ومات مكانه، فحرم قاتله الميراث وقتله موسى قصاصا، ثم أمرهم موسى بسلخ البقرة، فلما سلخوها، ملؤوا [ ص: 131 ] جلدها ذهبا، وأعطاه موسى لميشا، وفي الخبر "ما ورث قاتل بعد صاحب البقرة"، وفيه إضمار تقديره: فضرب، فحيي.

كذلك يحيي الله الموتى كما أحيا عاميل.

ويريكم آياته لعلكم تعقلون المراد منكم، فتمنعون نفوسكم عن هواها.

أما حكم هذه المسألة في الإسلام إذا وجد قتيل في موضع لا يعرف قاتله، فإن كان ثم لوث على إنسان، وهو العداوة الظاهرة كما بين القبائل، أو ما يغلب على القلب صدق المدعي; بأن اجتمع جماعة في بيت أو صحراء فتفرقوا عن قتيل يغلب على القلب أن القاتل فيهم، أو وجد قتيل في محلة أو قرية كلهم أعداء القتيل، لا يخالطهم غيرهم، فيغلب على القلب أنهم قتلوه، فادعى الولي على بعضهم، فعند مالك والشافعي وأحمد : يحلف المدعي خمسين يمينا، وإن كان الأولياء جماعة، فتقسم الأيمان بينهم بالحساب، ثم بعد حلفهم يأخذون الدية من عاقلة المدعى عليه إن ادعوا قتل خطأ، وإن ادعوا قتل عمد، فمن مال المدعى عليه، ولا قود على الجديد من قولي الشافعي .

وقال مالك وأحمد بوجوب القود.

ومن اللوث عند مالك قول المجروح الحر البالغ المسلم: دمي عند [ ص: 132 ] فلان عمدا، واستدل بهذه النازلة في قصة البقرة على تجويز قول القتيل، وأن تقع مع القسامة، وإن لم يكن على المدعى عليه لوث، فالقول قوله مع يمينه، ويحلف يمينا واحدة عند مالك، ولم يحلف عند أحمد على المذهب المشهور عنه، وعنه رواية ثانية: يحلف يمينا واحدة، وهو أظهر، واختاره جماعة من أصحابه، والأظهر من مذهب الشافعي تغليظ اليمين بالعدد; لأنه يمين دم، فيحلف خمسين يمينا، وعند أبي حنيفة لا حكم للوث، ولا يبدأ بيمين المدعي، بل إذا وجد قتيل في محلة، يختار الولي خمسين رجلا من صلحائهم، فيحلفهم أنهم ما قتلوه، ولا عرفوا له قاتلا، ثم يأخذ الدية من سكانها، وإن ادعى على غيرهم، ولا بينة، لزم المدعى عليه يمينا واحدة كسائر الدعاوى، وتسقط القسامة عن أهل المحلة.

التالي السابق


الخدمات العلمية