الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين .

[39] فنادته الملائكة أجابته، والمراد جبريل وحده، جمع تعظيما له. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف : (فناداه) بألف ممالة إرادة [ ص: 447 ] الجمع، وقرأ الباقون: بالتاء; لتأنيث لفظ الملائكة.

وهو قائم يصلي في المحراب أي: في المسجد. قرأ ابن ذكوان عن ابن عامر : (المحراب) بالإمالة حيث وقع بالخفض، وعنه خلاف في غير المخفوض.

أن الله يبشرك قرأ ابن عامر : (إن الله) بكسر الهمزة (يبشرك): بضم أوله وكسر الشين مشددا، وقرأ حمزة : (إن الله) كابن عامر (يبشرك) بفتح الياء وضم الشين مخففا، وقرأ الكسائي : (أن الله) بفتح الهمزة (يبشرك) كقراءة [ حمزة، وقرأ الباقون: (أن الله) بفتح الهمزة (يبشرك) كقراءة] ابن عامر، فالقراءة بكسر الألف على إضمار القول، تقديره: فنادته الملائكة فقالت: إن، وبالفتح بإيقاع النداء عليه، كأنه قال: فنادته الملائكة بأن، والقراءة بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين مشددا من بشر، وهو الأفصح، وبفتح الياء وضم الشين مخففا من بشر، وهي لغة تهامة. [ ص: 448 ]

بيحيى سمي به; لأنه حيي به الرحم العاقر. قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف : (يحيى) بالإمالة حيث وقع.

مصدقا نصب على الحال; أي: مؤمنا.

بكلمة من الله يعني: عيسى عليه السلام; أي: بكلمة كائنة من الله بأن قال له: كن من غير أب، فكان، فوقع عليه اسم الكلمة، وكان يحيى أول من آمن بعيسى وصدقه، وكان أسن من عيسى بستة أشهر، وقيل: صدقه وهو في بطن أمه، فكانت أم يحيى تقول لمريم: إني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك تحية له، وكانا ابنا الخالة كما تقدم، ثم قتل يحيى قبل رفع عيسى عليهما السلام بسنة ونصف، وله نيف وثلاثون سنة، ونبئ صغيرا، وكان عيسى قد حرم نكاح بنت الأخ، وكان لهرودوس وهو الحاكم على بني إسرائيل بنت أخ، وأراد أن يتزوجها كما هو جائز في ملة اليهود، فنهاه يحيى عن ذلك، فأمر بذبح يحيى، فذبح ووضع رأسه بين يديه، فكان الرأس يتكلم ويقول: لا تحل لك، واستمر غليان دمه حتى بعث الله عليهم ملكا من جهة المشرق يقال له: حردوس، فقتل منهم على دم يحيى سبعين [ ص: 449 ] ألفا إلى أن سكن دمه، وقبره عند قبر والده، على الخلاف المتقدم، وبين وفاته والهجرة الشريفة الإسلامية خمس مئة ونحو ست وتسعين سنة.

وسيدا هو من ساد قومه، ويحيى ساد قومه والناس في أنه لم يرتكب سيئة قط.

وحصورا ممتنعا من الوطء مع القدرة عليه، وليس كما قال بعضهم: إنه كان هيوبا، أو لا ذكر له; لأن هذه نقيصة وعيب لا تليق بالأنبياء، وإنما معناه: إنه معصوم من الذنوب لا يأتيها; كأنه حصر عنها.

ونبيا من الصالحين .

التالي السابق


الخدمات العلمية