الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6820 ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بالقسم بأسا، وجعلوه يمينا، وحكموا له بحكم اليمين، وقالوا: قد ذكر الله -عز وجل- في غير موضع في كتابه، فقال -عز وجل-: لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة وقال: [ ص: 392 ] فلا أقسم بمواقع النجوم وقال: لا أقسم بهذا البلد فكان تأويل ذلك عند العلماء جميعا أقسم بيوم القيامة، و"لا": صلة، وقال الله -عز وجل-: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا فلم يعبهم بقسمهم، ورد عليهم كفرهم، فقال: بلى وعدا عليه حقا وكان في ذكره جهد أيمانهم دليل على أن ذلك القسم الذي كان منهم: يمينا، وقال الله -عز وجل-: إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين فلم يعب ذلك عليهم ثم قال -عز وجل-: ولا يستثنون

                                                فحدثني سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن قال: في هذه الآية دليل على أن القسم يمين، لأن الاستثناء لا يكون إلا في اليمين.

                                                وإذا كانت يمينا كانت مباحة فيما سائر الأيمان فيه مباحة، ومكروهة فيما سائر الأيمان فيه مكروهة.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم النخعي والثوري وأبا حنيفة وأصحابه، فإنهم قالوا: لا بأس بالقسم، فإذا قال: أقسم أو أقسمت يكون يمينا، ويكون حكمه حكم اليمين، حتى تجب عليه الكفارة عند الحنث كما في اليمين.

                                                قوله: "وقالوا. . . ." إلى آخره بيان احتجاجهم فيما ذهبوا إليه من صحة القسم بالآيات المذكورة، وهو ظاهر.

                                                ثم اختلف العلماء في كلمة "لا" المتقدمة على القسم في الآيات المذكورة.

                                                [ ص: 393 ] فقال بعضهم: إنها صلة، أي زائدة، ثم اختلف هؤلاء في فائدتها على قولين: أحدهما: أنها توطئة وتمهيد لنفي الجواب، والتقدير: "لا أقسم بيوم القيامة لا يتركون سدى" ومثله: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك وقول الشاعر:


                                                لا وأبيك ابنة العامري ... لا يدعي القوم أني أفر



                                                ورد بقوله تعالى: لا أقسم بهذا البلد الآيات فإن جوابه مثبت وهو: لقد خلقنا الإنسان في كبد ومثله: فلا أقسم بمواقع النجوم

                                                والثاني: أنها زيدت لمجرد التأكيد كما في لئلا يعلم أهل الكتاب

                                                وقال بعضهم: إنها نافية، ثم اختلفوا في منفيها على قولين:

                                                أحدهما: أنه شيء تقدم، وهو ما حكي عنهم كثيرا من إنكار البعث، فقيل لهم: ليس الأمر كذلك، ثم استؤنف القسم، قالوا: وإنما صح ذلك لأن القرآن كله كالسورة، ولهذا يذكر الشيء في سورة وجوابه في أخرى. نحوه: وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون وجوابه: ما أنت بنعمة ربك بمجنون

                                                والثاني: أن منفيها: "أقسم" وذلك على أن يكون إخبارا لا إنشاء، واختاره الزمخشري .




                                                الخدمات العلمية