الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6338 6339 6340 6341 6342 6343 ص: ثم رجعنا إلى ما في ذلك أيضا سوى هذين الحديثين؛ فإذا إبراهيم بن مرزوق ، قد حدثنا قال: ثنا أبو الوليد وعفان قالا: ثنا عبد الملك بن عمير ، عن حصين -رجل من بني فزارة- قال: أخبرني سمرة بن جندب -رضي الله عنه-: "أن نبي الله -عليه السلام- أتاه أعرابي وهو يخطب، فقطع عليه خطبته، فقال: يا رسول الله، ما تقول في الضب؟ فقال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت، ، فلا أدري أي الدواب مسخت؟ ".

                                                حدثنا فهد قال: ثنا حيوة بن شريح ، قال: ثنا بقية ، عن شعبة، قال: حدثني الحكم ، عن زيد بن وهب ، عن البراء بن عازب ، عن ثابت بن وديعة الأنصاري ، عن النبي -عليه السلام-: " أنه أتي بضب، فقال: أمة مسخت".

                                                [ ص: 95 ] حدثنا أبو بكرة قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا شعبة ، عن الحكم ، قال: سمعت زيد بن وهب ، عن البراء بن عازب ، عن ثابت بن وديعة: " أن رجلا أتى النبي -عليه السلام- بضب، فقال له رسول الله -عليه السلام- إن أمة قد فقدت فالله أعلم".

                                                حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا حميد الصائغ ، قال: ثنا شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن زيد بن وهب ، عن ثابت بن وديعة ، الأنصاري: "أن رجلا من بني فزارة أتى النبي -عليه السلام- بضباب احترشها، فجعل رسول الله -عليه السلام- يقلبها وينظر إلى ضب منها، فقال رسول الله -عليه السلام-: أمة مسخت، ، فلا ندري ما فعلت، ولا أدري لعل هذا منه".

                                                حدثنا فهد قال: ثنا الحسن بن بشر قال: ثنا المعافى بن عمران ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر: " أن رسول الله -عليه السلام- أبى أن يأكله -يعني الضب- وقال: لا أدري لعله من القرون الأولى التي مسخت".

                                                قال: أبو جعفر : -رحمه الله-: ففي هذه الآثار أن رسول الله -عليه السلام- ترك أكله خوفا من أن يكون مما مسخ؛ فاحتمل أن يكون قد حرمه مع ذلك، واحتمل أن يكون تركه تنزها منه عن أكله، ولم يحرمه.

                                                فنظرنا في ذلك؛ فإذا ابن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا أبو الوليد ، قال: ثنا أبو عقيل بشير بن عقبة ، قال: ثنا أبو نضرة ، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "أن أعرابيا سأل النبي -عليه السلام- فقال: إني في حائط مضبة، وإنه طعام أهلنا، فسكت، فقلنا له: عاوده. فعاوده، فسكت، ثم قالوا: عاوده، فعاوده، فقال: إن الله -عز وجل- لعن -أو غضب على- سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون على الأرض، فما أظنهم إلا هؤلاء، ولست آكلها ولا أحرمها".

                                                ففي هذا الحديث: أن رسول الله -عليه السلام- لم يحرم الضباب مع خوفه أن تكون من الممسوخ.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما لم يكن في الحديث المذكور الذي اختلف فيه حجة لأحد الفريقين، وكان -عليه السلام- خشي فيه أن يكون ممسوخا؛ شرع يبين ما جاء في هذا الباب مما جاء فيه [ ص: 96 ] هذا المعنى، أي خشيته كونه ممسوخا مع أنه -عليه السلام- لم يحرمه؛ إنما كان تركه -عليه السلام- الأكل لأجل عيافته وتنزيهه.

                                                بيان ذلك أنه جاء في حديث سمرة وثابت بن وديعة وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم-، أن النبي -عليه السلام- إنما تركه لأجل خوفه أن يكون مما مسخ، ومع هذا يحتمل أن يكون قد حرمه مع ذلك، ويحتمل أن يكون امتنع عنه لأجل تنزيهه وعيافته.

                                                فنظرنا في ذلك، فوجدنا حديث أبي سعيد الخدري قد دل على أنه لم يحرمه مع خوفه أن يكون من الممسوخات، فرجح هذا الحديث أحد الاحتمالين المذكورين، فثبت أنه غير محرم، فافهم.

                                                أما حديث سمرة -رضي الله عنه- فأخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري ، عن عفان بن مسلم الصفار ، عن عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي ، عن حصين -بضم الحاء- بن قبيصة الفزاري الكوفي، وثقه ابن حبان ، عن سمرة بن جندب .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا هشام بن عبد الملك بن أبي عوانة، وثنا عفان، نا عبد الملك بن حصين -رجل من بني فزارة- عن سمرة بن جندب، قال: أتى نبي الله -عليه السلام- أعرابي وهو يخطب، فقطع عليه خطبته، فقال: يا رسول الله، كيف تقول في الضب؟ فقال: أمة مسخت من بني إسرائيل، فلا أدري أي الدواب مسخت؟.

                                                وأما حديث ثابت بن وديعة فأخرجه من ثلاث طرق جياد حسان:

                                                الأول: عن فهد بن سليمان ، عن حيوة بن شريح الحضرمي الحمصي شيخ البخاري وأبي داود ، عن بقية بن الوليد الحمصي ، عن شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن زيد بن وهب ، عن البراء بن عازب الصحابي ، عن ثابت بن وديعة الصحابي .

                                                [ ص: 97 ] وأخرجه النسائي: عن عمرو بن علي، عن عبد الرحمن ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن زيد بن وهب ، عن البراء بن عازب ، عن ثابت بن وديعة: "أن رجلا أتى النبي -عليه السلام- بضب فقال: إن أمة مسخت والله أعلم".

                                                الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ... إلى آخره.

                                                الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن حميد بن أبي زياد الصائغ الكوفي ، عن شعبة ، عن عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي ، عن زيد بن وهب ، عن ثابت بن وديعة -رضي الله عنه- وحميد الصائغ وثقه ابن حبان .

                                                وأخرجه الطبراني: ثنا علي بن عبد العزيز، نا عفان، نا شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن زيد بن وهب ، عن ثابت بن وديعة: "أن رجلا من بني فزارة أتى النبي -عليه السلام- بضباب قد احترشها، فجعل يقلب ضبا منها بين يديه، وقال: أمة مسخت -وأكثر علمي أنه قال: ما أدري ما فعلت، وما أدري لعل هذا منها؟ ".

                                                وأخرجه النسائي أيضا: عن عمرو بن يزيد ، عن بهز بن أسد ، عن شعبة ... إلى آخره نحوه.

                                                وأما حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فأخرجه بإسناد صحيح، عن فهد بن سليمان ، عن الحسن بن بشر البجلي الكوفي شيخ البخاري ، عن المعافى بن عمران الأزدي الموصلي ، عن عبد الملك بن جريج المكي ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي ، عن جابر بن عبد الله .

                                                وأخرجه مسلم: ثنا إسحاق بن إبراهيم ، وعبد بن حميد، قالا: ثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله [ ص: 98 ] يقول: "أتي النبي -عليه السلام- بضب، فأبى أن يأكل منه، وقال: لا أدري لعله من القرون التي مسخت".

                                                وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه بإسناد صحيح أيضا، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ، عن أبي عقيل -بفتح العين- بشير بن عقبة الناجي السامي -بالسين المهملة- عن أبي نضرة -بالنون والضاد المعجمة- المنذر بن مالك ، عن أبي سعيد الخدري سعد بن مالك .

                                                وأخرجه مسلم: حدثني محمد بن حاتم، قال: ثنا بهز، قال: ثنا أبو عقيل الدورقي، قال: ثنا أبو نضرة ، عن أبي سعيد الخدري: "أن أعرابيا أتى رسول الله -عليه السلام- فقال: إني في حائط مضبة وإنه طعام أهلي، قال: فلم يجبه، فقلنا عاوده، فعاوده فلم يجبه ثلاثا، ثم ناداه رسول الله -عليه السلام- في الثالثة فقال: يا أعرابي، إن الله لعن -أو غضب على- سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض، فلا أدري لعل هذا منه، فلست آكلها ولا أنهى عنها".

                                                قوله: "في حائط مضبة" الحائط: البستان من النخيل إذا كان عليها جدار، و"المضبة" بفتح الميم والضاد على وزن مفعلة، يقال: أرض مضبة أي ذات ضباب.

                                                قال ابن الأثير: جاءت الرواية بضم الميم وكسر الضاد والمعروف بفتحهما، يقال: أضبت أرض فلان: إذا كثر ضبابها، وهي أرض مضبة أي ذات ضباب، مثل مأسدة، ومذأبة، ومربعة، أي ذات أسود، وذئاب، ويرابيع، وجمع المضبة: مضاب، وأما مضبة فهي اسم فاعل من أضبت، كأعدت فهي معدة، فإن صحت الرواية فهي بمعناها.




                                                الخدمات العلمية