الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6333 ص: وفي هذا الحديث أيضا: إباحة صيد العقيق، . وقد روينا عن سعد ، في الفصل الأول، عن النبي -عليه السلام- في ذلك، ما قد روينا، ففي هذا ما يخالفه.

                                                فأما [ما] في حديث سعد من إباحة سلب الذي يصيد صيد المدينة، ، فإن ذلك عندنا -والله أعلم- في وقت كانت العقوبات التي تجب بالمعاصي في الأموال. فمن ذلك ما قد روي عن النبي -عليه السلام- في الزكاة أنه قال: "من أداها طائعا فله أجرها، ومن لا؛ أخذناها منه وشطر ماله" وما روي عنه فيمن سرق ثمرا من أكمامه أنه عليه غرامة مثليه، ، وفي نظائر لذلك كثيرة، قد ذكرناها في موضعها من كتابنا هذا، ثم نسخ ذلك في وقت نسخ الربا، فردت الأشياء المأخوذة إلى أمثالها إن كان لها أمثال، وإلى قيمتها إن كان لا مثل لها، وجعلت العقوبات في انتهاك الحرم في الأبدان لا في الأموال، فهذا وجه ما روي في صيد المدينة.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وفي حديث سلمة بن الأكوع: إباحة صيد العقيق أيضا، كما فيه إباحة صيد المدينة، وهذا يخالف ما روي عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- الذي مر ذكره في أول الباب؛ لأن فيه أن سعدا أخذ سلب ذلك العبد الذي رآه يقطع شجرا بالعقيق، وفي رواية: "رآه يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله -عليه السلام-. وحديث سلمة بن الأكوع المذكور يعارض هذا ويضاده، وقد بين الطحاوي [ ص: 86 ] وجه المخلص في ذلك، وهو أن فعل سعد الذي ذكر إنما كان في وقت كانت العقوبات التي تجب بالمعاصي في الأموال، كما كان في حق مانع الزكاة: أن تؤخذ منه الزكاة ويؤخذ عليها شطر ماله، وكما كان في حق من سرق الثمر من أكمامه: أن يغرم مثلي ما سرقه، ثم نسخت هذه الأشياء حين نسخ الربا، وردت الأشياء المأخوذة ظلما وغصبا إلى أمثالها إن كانت لها أمثال، وإلى قيمتها إن لم يكن لها أمثال.

                                                يعني إذا اغتصب رجل شيئا آخر يحكم عليه بمثله، إن كان من ذوات الأمثال وإلا يحكم عليه بقيمة ذلك الشيء إما يوم الغصب، أو يوم الهلاك، أو يوم اليقين، على اختلاف فيه على ما عرف في الفروع.

                                                قوله: "من أكمامه" جمع كم -بكسر الكاف- هو: وعاء الطلع، وغطاء النور، وكذلك الكمامة.

                                                قال الجوهري: جمع الكم: كمام وأكمة، وأكام وأكاميم، وأما الكم -بالضم- فللقميص، والكم -بالفتح- مصدر كممت الشيء: إذا غطيته.

                                                قوله: " قد ذكرناها في موضعها من كتابنا هذا" ذكره في .

                                                قوله: فهذا وجه ما روي في صيد المدينة" أي الذي ذكرناه إلى الآن هو وجه التوفيق بين الأحاديث التي رويت في حكم صيد المدينة.




                                                الخدمات العلمية