الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6961 6962 ص: فإن قال قائل: إن الله -عز وجل- إنما أمرهم في كتابه أن يتوبوا، والتوبة هي ترك الذنوب وترك العود إليها ، وليس يكون ذلك بقولهم: قد تبنا، وإنما ذلك بالخروج من الذنوب وترك العود إليها، وكذلك روي في قول الله -عز وجل-: توبوا إلى الله توبة نصوحا فذكروا ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا موسى بن زياد المخزومي ، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا سماك ، عن النعمان بن بشير ، قال: سمعت عمر - رضي الله عنه - يقول: "التوبة النصوح أن يجتنب الرجل السوء كان يعمله، فيتوب إلى الله -عز وجل- منه، ثم لا يعود إليه أبدا".

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة ، عن سماك ، عن النعمان ، عن عمر ، - رضي الله عنه - مثله.

                                                فهذه صفة التوبة التي أمرهم الله -عز وجل- في كتابه العزيز. وأما قولهم: نتوب إلى الله -عز وجل-، فليس من هذا في شيء.

                                                قيل له: إن ذلك إن كان كما ذكرتم، فإنا لن نبح لهم أن يقولوا: نتوب إلى الله -عز وجل- علي أنهم يعتقدون الرجوع إلى ما تابوا منه، ولكن أبحنا لهم أن يقولوا: نتوب إلى الله -عز وجل- على أنهم يريدون به ترك ما وقعوا فيه من الذنوب ولا يريدون العود في شيء منها، فإذا قالوا ذلك واعتقدوا هذا بقلوبهم؛ كانوا في ذلك مأجورين مثابين فمن عاد منهم بعد ذلك في شيء من تلك الذنوب كان ذلك ذنبا أصابه ولم يحبط ذلك أجوره المكتوبة له بقوله الذي تقدم منه واعتقاده معه ما اعتقد، فأما من قال: أتوب إلى الله -عز وجل- وهو معتقد أن يعود إلى ما تاب منه؛ فهو بذلك القول فاسق معاقب عليه؛ لأنه كذب فيما قال: وأما إذا قال وهو معتقد لترك الذنب الذي كان وقع فيه وعازم على أن لا يعود إليه أبدا؛ فهو صادق في قوله: مثاب على صدقه إن شاء الله تعالى.

                                                [ ص: 492 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 492 ] ش: تقرير السؤال أن يقال: إن الله تعالى أمر عبده بالتوبة حيث قال: في كتابه الكريم: توبوا إلى الله توبة غير ذلك من الآيات التي فيها الأمر بالتوبة، والتوبة ترك الذنوب وترك العود إليها، ولا يوصف الرجل بالتوبة حتى يترك الذنب ويترك العود إليه، ولا يكون تائبا بقوله: قد تبت. ألا ترى إلى ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث قال: "التوبة النصوح: أن يجتنب الرجل السوء كان يعمله، فيتوب إلى الله -عز وجل- منه، ثم لا يعود إليه أبدا"، [فهذه] هي صفة التوبة المأمور بها في الكتاب. وأما قول التائب: أتوب إلى الله؛ فليس بشيء كما قد تقرر فيما مضى.

                                                وأخرج ما روي عن عمر - رضي الله عنه - من طريقين:

                                                الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن موسى بن زياد عن [المخدوجي] إسرائيل بن يونس ، عن سماك بن حرب ، عن النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري الخزرجي الصحابي ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

                                                الثاني: عن أبي بكرة أيضا، عن وهب بن جرير بن حازم ، عن شعبة بن الحجاج ، عن سماك بن حرب . . . . إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن النعمان بن بشير قال: "سئل عمر - رضي الله عنه - عن التوبة النصوح فقال: التوبة النصوح: أن يتوب العبد من العمل السيئ، ثم لا يعود إليه أبدا".

                                                [ ص: 493 ] قوله: "أن يجتنب الرجل السوء" وفي بعض النسخ "الشر" وفي رواية ابن أبي شيبة "السيئ" والكل صحيح.

                                                قوله: "كان يعمله" جملة وقعت حالا من السوء، ويجوز أن تكون صفة على تقدير زيادة الألف واللام في "السوء".

                                                قوله: "قيل له" جواب عن السؤال المذكور، وهو ظاهر.




                                                الخدمات العلمية