الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( أوب ) الهمزة والواو والباء أصل واحد ، وهو الرجوع ، ثم يشتق منه ما يبعد في السمع قليلا ، والأصل واحد . قال الخليل : آب فلان إلى سيفه ، أي : رد يده ليستله . والأوب : ترجيع الأيدي والقوائم في السير . قال كعب بن زهير :


                                                          كأن أوب ذراعيها وقد عرقت وقد تلفع بالقور العساقيل     أوب يدي فاقد شمطاء معولة
                                                          باتت وجاوبها نكد مثاكيل

                                                          والفعل منه التأويب ، ولذلك يسمون سير [ النهار تأويبا ، وسير ] الليل إسآدا . وقال :

                                                          [ ص: 153 ]

                                                          يومان يوم مقامات وأندية     ويوم سير إلى الأعداء تأويب

                                                          قال : والفعلة الواحدة تأويبة . والتأويب : التسبيح في قوله تعالى : ياجبال أوبي معه والطير . قال الأصمعي : أوبت الإبل : إذا روحتها إلى مباءتها . ويقال : تأوبني ، أي : أتاني ليلا . قال :


                                                          تأوبني دائي القديم فغلسا     أحاذر أن يرتد دائي فأنكسا

                                                          قال أبو زيد : وكان الأصمعي يفسر الشعر الذي فيه ذكر " الإياب " أنه مع الليل ، ويحتج بقوله :


                                                          تأوبني داء مع الليل منصب

                                                          وكذلك يفسر جميع ما في الأشعار . فقلت له : إنما الإياب الرجوع ، أي وقت رجع ، تقول : قد آب المسافر . فكأنه أراد أن أوضح له ، فقلت : قول عبيد :


                                                          وكل ذي غيبة يؤوب     وغائب الموت لا يؤوب

                                                          أهذا بالعشي ؟ فذهب يكلمني فيه ، فقلت : فقول الله تعالى : إن إلينا إيابهم ، أهذا بالعشي ؟ فسكت . قال أبو زيد : ولكن أكثر ما يجيء على ما قال رحمنا الله وإياه .

                                                          والمآب : المرجع . قال أبو زياد : أبت القوم ، أي : إلى القوم . قال :


                                                          أنى ومن أين آبك الطرب

                                                          [ ص: 154 ] قال أبو عبيد : يسمى مخرج الدقيق من الرحى المآب ، لأنه يؤوب إليه ما كان تحت الرحى . قال الخليل : وتقول آبت الشمس إيابا : إذا غابت في مآبها ، أي : مغيبها . قال أمية :


                                                          فرأى مغيب الشمس عند إيابها

                                                          قال النضر : المؤوبة الشمس ، وتأويبها ما بين المشرق والمغرب ، تدأب يومها وتؤوب المغرب . ويقال : " جاءوا من كل أوب " ، أي : ناحية ووجه; وهو من ذلك أيضا . والأوب : النحل . قال الأصمعي : سميت لانتيابها المباءة ، وذلك أنها تؤوب من مسارحها . وكأن واحد الأوب آيب ، كما يقال : [ آبك الله ] : أبعدك الله . قال :


                                                          فآبك هلا والليالي بغرة     تزور وفي الأيام عنك شغول

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية