الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( جر ) الجيم والراء أصل واحد ; وهو مد الشيء وسحبه . يقال جررت الحبل وغيره أجره جرا . قال لقيط :


                                                          جرت لما بيننا حبل الشموس فلا يأسا مبينا نرى منها ولا طمعا

                                                          والجر : أسفل الجبل ، وهو من الباب ، كأنه شيء قد سحب سحبا . قال :


                                                          وقد قطعت واديا وجرا

                                                          والجرور من الأفراس : الذي يمنع القياد . وله وجهان : أحدهما أنه فعول بمعنى مفعول ، كأنه أبدا يجر جرا ، والوجه الآخر أن يكون جرورا على جهته ، لأنه يجر إليه قائده جرا .

                                                          [ ص: 411 ] والجرار : الجيش العظيم ، لأنه يجر أتباعه وينجر . قال :


                                                          ستندم إذ يأتي عليك رعيلنا     بأرعن جرار كثير صواهله

                                                          ومن القياس الجرجور ، وهي القطعة العظيمة من الإبل . قال :


                                                          مائة من عطائهم جرجورا

                                                          والجرير : حبل يكون في عنق الناقة من أدم ، وبه سمي الرجل جريرا . ومن هذا الباب الجريرة ، ما يجره الإنسان من ذنب ، لأنه شيء يجره إلى نفسه . ومن هذا الباب الجرة جرة الأنعام ، لأنها تجر جرا . وسميت مجرة السماء مجرة لأنها كأثر المجر . والإجرار : أن يجر لسان الفصيل ثم يخل لئلا يرتضع . قال :


                                                          كما خل ظهر اللسان المجر

                                                          وقال قوم الإجرار أن يجر ثم يشق . وعلى ذلك فسر قول عمرو :


                                                          فلو أن قومي أنطقتني رماحهم     نطقت ولكن الرماح أجرت

                                                          يقول : لو أنهم قاتلوا لذكرت ذلك في شعري مفتخرا به ، ولكن رماحهم أجرتني فكأنها قطعت اللسان عن الافتخار بهم .

                                                          [ ص: 412 ] ويقال أجره الرمح إذا طعنه وترك الرمح فيه يجره . قال :


                                                          ونجر في الهيجا الرماح وندعي

                                                          وقال :


                                                          وغادرن نضلة في معرك     يجر الأسنة كالمحتطب

                                                          وهو مثل ، والأصل ما ذكرناه من جر الشيء . ويقال جرت الناقة ، إذا أتت على وقت نتاجها ولم تنتج إلا بعد أيام ، فهي قد جرت حملها جرا . وفي الحديث : لا صدقة في الإبل الجارة ، وهي التي تجر بأزمتها وتقاد ، فكأنه أراد التي تكون تحت الأحمال ، ويقال بل هي ركوبة القوم .

                                                          ومن هذا الباب أجررت فلانا الدين إذا أخرته به ، وذلك مثل إجرار الرمح والرسن . ومنه أجر فلان فلانا أغاني ، إذا تابعها له . قال :


                                                          فلما قضى مني القضاء أجرني     أغاني لا يعيا بها المترنم

                                                          وتقول : كان في الزمن الأول كذا وهلم جرا إلى اليوم ، أي جر ذلك إلى اليوم لم ينقطع ولم ينصرم . والجر في الإبل أيضا أن ترعى وهي سائرة تجر أثقالها . والجارور - فيما يقال - نهر يشقه السيل . ومن الباب الجرة وهي خشبة نحو الذراع تجعل في رأسها كفة وفي وسطها حبل وتدفن للظباء فتنشب فيها ، فإذا نشبت ناوصها ساعة يجرها إليه وتجره إليها ، فإذا غلبته استقر [ فيها ] .

                                                          [ ص: 413 ] فتضرب العرب بها مثلا للذي يخالف القوم في رائهم ثم يرجع إلى قولهم . فيقولون " ناوص الجرة ثم سالمها " . والجرة من الفخار ، لأنها تجر للاستقاء أبدا . والجر شيء يتخذ من سلاخة عرقوب البعير ، تجعل فيه المرأة الخلع ثم تعلقه عند الظعن من مؤخر عكمها ، فهو أبدا يتذبذب . قال :


                                                          زوجك يا ذات الثنايا الغر     والرتلات والجبين الحر
                                                          أعيا فنطناه مناط الجر     ثم شددنا فوقه بمر

                                                          ومن الباب ركي جرور ، وهي البعيدة القعر يسنى عليها ، وهي التي يجر ماؤها جرا . والجرة الخبزة تجر من الملة . قال :


                                                          وصاحب صاحبته خب دنع     داويته لما تشكى ووجع


                                                          بجرة مثل الحصان المضطجع

                                                          فأما الجرجرة ، وهو الصوت الذي يردده البعير في حنجرته فمن الباب أيضا ، لأنه صوت يجره جرا ، لكنه لما تكرر قيل جرجر ، كما يقال صل وصلصل . وقال الأغلب :


                                                          جرجر في حنجرة كالحب     وهامة كالمرجل المنكب

                                                          [ ص: 414 ] ومن ذلك الحديث : الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم . وقد استمر الباب قياسا مطردا على وجه واحد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية