الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( بر ) الباء والراء في المضاعف أربعة أصول : الصدق ، وحكاية صوت ، وخلاف البحر ، ونبت . فأما الصدق فقولهم : صدق فلان وبر ، وبرت يمينه صدقت ، وأبرها أمضاها على الصدق .

                                                          وتقول : بر الله حجك وأبره ، وحجة مبرورة ، أي : قبلت قبول العمل الصادق . ومن ذلك قولهم يبر ربه ، أي : يطيعه . وهو من الصدق . قال :


                                                          لاهم لولا أن بكرا دونكا يبرك الناس ويفجرونكا

                                                          ومنه قول الله تعالى : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب . و [ أما ] قول النابغة :


                                                          عليهن شعث عامدون لبرهم

                                                          فقالوا : أراد الطاعة ، وقيل أراد الحج . وقولهم للسابق الجواد " المبر " هو من هذا; لأنه إذا جرى صدق ، وإذا حمل صدق .

                                                          [ ص: 178 ] قال ابن الأعرابي : سألت أعرابيا : هل تعرف الجواد المبر من البطيء المقرف ؟ قال : نعم . قلت : صفهما لي . قال : " أما الجواد فهو الذي لهز لهز العير ، وأنف تأنيف السير ، الذي إذا عدا اسلهب ، وإذا انتصب اتلأب . وأما البطيء المقرف فالمدلوك الحجبة ، الضخم الأرنبة ، الغليظ الرقبة ، الكثير الجلبة ، الذي إذا أمسكته قال أرسلني ، وإذا أرسلته قال أمسكني " .

                                                          وأصل الإبرار ما ذكرناه في القهر والغلبة ، ومرجعه إلى الصدق . قال طرفة :


                                                          يكشفون الضر عن ذي ضرهم     ويبرون على الآبي المبر

                                                          ومن هذا الباب قولهم : هو يبر ذا قرابته ، وأصله الصدق في المحبة . يقال : رجل بر وبار . وبررت والدي وبررت في يميني . وأبر الرجل ولد أولادا أبرارا . قال أبو عبيدة : وبرة : اسم للبر معرفة لا تنصرف . قال النابغة :


                                                          يوم اختلفنا خطتينا بيننا     فحملت برة واحتملت فجار

                                                          وأما حكاية الصوت فالعرب تقول : " لا يعرف هرا من بر " فالهر دعاء [ ص: 179 ] الغنم ، والبر الصوت بها إذا سيقت . [ و ] يقال : لا يعرف من يكرهه ممن يبره . والبربرة : كثرة الكلام والجلبة باللسان . قال :


                                                          بالعضر كل عذور بربار

                                                          ورجل بربار وبربارة . ولعل اشتقاق البربر من هذا . فأما قول طرفة :


                                                          ولكن دعا من قيس عيلان عصبة     يسوقون في أعلى الحجاز البرابرا

                                                          فيقال : إنه جمع بربر ، وهي صغار أولاد الغنم . قالوا : وذلك من الصوت أيضا ، وذلك أن البربرة صوت المعز . والأصل الثالث خلاف البحر . وأبر الرجل صار في البر ، وأبحر صار في البحر . والبرية الصحراء . والبر نقيص الكن . والعرب تستعمل ذلك نكرة ، يقولون خرجت برا وخرجت بحرا . قال الله تعالى : ظهر الفساد في البر والبحر .

                                                          وأما النبت فمنه البر ، وهي الحنطة ، الواحدة برة . قال الأصمعي : أبرت الأرض : إذا كثر برها ، كما يقال : أبهمت : إذا كثر بهماها . والبربور الجشيش من البر . يقال للخبز ابن برة ، وابن حبة ، غير مصروفين . قال الشيباني : " هو أقصر من برة " يعني واحدة البر . أي إن البرة غاية في القصر . قال الخليل : البرير حمل الأراك . قال النابغة :

                                                          [ ص: 180 ]

                                                          تسف بريره وترود فيه

                                                          قال أبو زياد الكلابي : البرير أصغر حبا من المرد والكباث ، كأنه خرز صغار . قال الأصمعي : البرير : اسم لما أدرك من ثمر العضاه ، فإذا انتهى ينعه اشتد سواده . قال بشر :


                                                          رأى درة بيضاء يحفل لونها     سخام كغربان البرير مقصب

                                                          يصف شعرها .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية