الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( وتصح ) الوصية ( بمجهول كعبد وثوب ) لأن الموصى له شبيه بالوارث من جهة انتقال شيء من التركة إليه مجانا ، والجهالة لا تمنع الإرث ; فلا تمنع الوصية ( ويعطى ما يقع عليه الاسم ) لأنه مقتضى اللفظ ( فإن اختلف الاسم بالحقيقة ) الوضعية ( والعرف كالشاة هي في ) الحقيقة للذكر والأنثى من الضأن والمعز .

                                                                                                                      والهاء للوحدة وفي ( العرف للأنثى الكبيرة من الضأن والمعز ) غلب العرف كالأيمان ( والبعير ) بفتح الباء وكسرها ( والثور هو في العرف للذكر الكبير ) من الإبل أو البقر ( وفي الحقيقة للذكر والأنثى غلب العرف كالأيمان ) اختاره الموفق .

                                                                                                                      وجزم به في الوجيز والتبصرة لأن الظاهر إرادته ، ولأنه لو خوطب قوم بشيء لهم فيه عرف وحملوه على عرفهم لم يعدوا مخالفين ( وصحح المنقح أنه تغلب الحقيقة ) وهو قول القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم من الأصحاب وجزم به في المنتهى لأنها الأصل ولهذا يحمل عليها كلام الله وكلام رسوله ( فيتناول ) اللفظ مما ذكر ( الذكور والإناث والصغار والكبار ، فيعطى ما يقع عليه الاسم من ذكر وأنثى كبير وصغير ) لصلاحية اللفظ له ( وحصان ) بكسر الحاء المهملة لذكر ( وجمل ) بفتح الميم وسكونها لذكر ( وحمار وبغل وعبد لذكر ) فقط قال تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } .

                                                                                                                      والعطف يقتضي المغايرة ولأنه المفهوم من إطلاق اسم العبد فلو وكله في شراء عبد فليس له شراء أمة ( وأتان ) الحمارة قال في القاموس : [ ص: 370 ] والأتانة قليلة ( وناقة وبكرة وقلوص ) الأنثى ( وحجر ) بكسر الحاء وسكون الجيم الأنثى من الخيل قال في القاموس : وبالهاء لحن ( وبقرة لأنثى وكبش للذكر الكبير من الضأن ، وتيس للذكر الكبير من المعز وفرس ) لذكر وأنثى ( ورقيق لذكر وأنثى ) قال في شرح المنتهى : ويكونان للخنثى أيضا ( والدابة اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير ) لأن ذلك هو المتعارف .

                                                                                                                      قال الحارثي : والقائلون بالحقيقة لم يقولوا ههنا بالأعم ، كأنهم لحظوا غلبة استعماله في الأجناس الثلاثة بحيث صارت الحقيقة مهجورة ( فإن قرن به ) أي : بذكر الدابة في الوصية ( ما يصرفه إلى أحدها ) أي : أحد الأجناس الثلاثة ( كقوله ) أعطوا له ( دابة يقاتل عليها انصرف إلى الخيل ) وكذا لو قال : دابة يسهم لها لاختصاصها بذلك ( وإن قال ) أعطوا له ( دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال ) والذكر لانتفاء النسل فيهما .

                                                                                                                      ( ولو قال ) أعطوه ( عشرة ) أو عشرا من إبلي أو غنمي فللذكر والأنثى لأنه قد يلحظ في التذكير معنى الجمع وفي التأنيث معنى الجماعة .

                                                                                                                      وأيضا اسم الجنس يصح تذكيره وتأنيثه ( وإن أوصى له بعبد مجهول ) بأن أوصى له بعبد من عبيده ولم يعينه ( صح ويعطيه الورثة ما شاءوا منهم ) لأن لفظه تناول واحدا فيلزم الموصى له قبول ما يدفعه الوارث من صحيح أو معيب جيد أو رديء لتناول الاسم له ( فإن لم يكن له عبيد لم تصح الوصية إن لم يملك الموصي عبيدا قبل الموت ) لأن الوصية تقتضي عبدا من الموجودين حين الموت أشبه ما لو أوصى له بما في الكيس ولا شيء فيه أو بداره ولا دار له ( فلو ملك ) الموصي شيئا من العبيد ( قبله ) أي : الموت ( ولو واحدا أو كان له عبد واحد صحت ) الوصية وتعين كونه للموصى له لأنه لم يكن للورثة محل غيره .

                                                                                                                      ( وإن كان له ) أي : الموصي ( عبيد فماتوا قبل موت الموصي ) بطلت الوصية لفوات محلها ( ولو تلفوا بعد موته من غير تفريط ) من الورثة ( فكذلك ) أي : بطلت الوصية بمعنى أنه فات على الموصى له إذ لا موجب للضمان لحصول التركة في أيديهم بغير فعلهم ( وإن ماتوا ) أي : العبيد ( إلا واحدا تعينت الوصية فيه ) لأنه لم يبق غيره وقد تعذر تسلم الباقي .

                                                                                                                      وهذا إن حمله الثلث قاله في الرعاية ( وإن قتلوا ) أي العبيد ( كلهم فله ) أي : الموصى له ( قيمة أحدهم وهو من يختار الورثة بذله للموصى له على قاتله ) كما يلزم القاتل قيمته وإن لم يكن موصى به ( ومثله ) أي : العبد في الوصية ( شاة من غنمه ) وثوب من ثيابه وأمة من إمائه وأتان من حميره وفرس من خيله ونحوها على ما سبق تفصيله بلا فرق .

                                                                                                                      ( ولو وصى أن يعطى ) زيد مثلا ( مائة من أحد كيسي [ ص: 371 ] فلم يوجد فيهما شيء استحق مائة ) اعتبارا للمقصود وهو أصل الوصية لا صفتها بخلاف ما لو وصى له بعبد من عبيده ولا عبد له تبطل قال الحارثي : وقد يفرق بينهما بأن القدر الفائت في صورة المائة صفة محل الوصية لا أصل المحل فإن كيسا يؤخذ منه مائة موجود ملكا فأمكن تعلق الوصية به والفائت في صورة العبد أصل المحل وهو عدم العبيد بالكلية فالتعلق متعذر انتهى .

                                                                                                                      وقد ذكرت في الحاشية الفرق بينهما عن ابن نصر الله أيضا وإن قال : أعطوه عبدا من مالي ولم يكن له عبد اشتري له ( وإن وصى له بقوس وله أقواس قوس نشاب وهو الفارسي وقوس نبل وهو العربي أو قوس بمجرتي وهو ) القوس ( الذي يوضع السهم ) الصغير ( في مجراه فيخرج ) السهم ( من المجرى ) ويقال له قوس حسبان ، وهي السهام الصغيرة قاله الحارثي .

                                                                                                                      ( و ) قوس ( جرخ ) وهو الذي يرمي به الروم ( أو ) قوس ( بندق وهو قوس جلاهق ) بضم الجيم وكسر الهاء وهو اسم للبندق .

                                                                                                                      وأصله بالفارسية جلة وهي كبة غزل والكبير جلها ( أو ) قوس ( ندف ) يندف به القطن ( فله ) أي الموصى له بقوس مطلق ( قوس النشاب بغير وتر لأنه أظهرها ) أي أسبق إلى الفهم فله واحد من المتعارف يعينه الوارث ( فإن لم يكن له ) أي : الموصي ( إلا قوس واحد من هذه القسي تعينت الوصية فيه ) إذ لا محل لها غيره ( وإن كان في لفظه ) أي : الموصي ( أو حاله قرينة تصرفه إلى أحدها ) أي : الأقواس ( انصرف إليه مثل أن يقول : قوس يندف به أو ) قوس ( يتعيش ) به ( أو نحو ذلك ، فهذا يصرفه إلى قوس الندف ) عملا بالقرينة .

                                                                                                                      ( وإن قال : قوس يغزو به خرج قوس الندف والبندق ) لأنهما لا يقاتل بهما ( وإن كان الموصى له ) بقوس ( ندافا لا عادة له بالرمي أو بندقانيا لا عادة له بالرمي عن سواه ، أو يرمي بقوس غيره ولا يرمي بسواه انصرفت الوصية إلى القوس الذي يستعمله عادة ) .

                                                                                                                      لأن ذلك قرينة تخصص ذلك النوع لأن الظاهر إرادة الانتفاع ( فإن كان له ) أي : الموصي ( أقواس من النوع الذي استحق الوصي ) قوسا منها ( أعطي أحدها بقرعة ) قياس ما تقدم أنه يعطى ما يختاره الورثة .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية