الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 24 ] ولو دين كراء ، [ ص: 25 - 27 ] أو قدم الغائب مليا

التالي السابق


وبالغ على حلول المؤجل بالتفليس والموت فقال ( ولو ) كان الدين المؤجل على المكتري المفلس أو الميت ( دين كراء ) لعقار أو حيوان أو عرض وجيبة لم يستوف منفعته فيحل بفلس المكتري وموته ، وللمكري أخذ عين شيئه في الفلس ، ثم إن لم يستوف شيء من منفعته فلا شيء له من الكراء وإن لم يأخذ عين شيئه في الفلس وأبقاه حاصص بكرائه حالا ، وإن كان استوفى بعض منفعته حاصص بما يقابله من الكراء وخير في أخذ عين شيئه فيسقط باقيه وتركه فيحاصص به حالا كما يحاصص في الموت ويأخذ منا به بالحصاص معجلا كما هو مفاد المصنف ونحوه في المدونة وهو المشهور كما في شرحها . [ ص: 25 ] وقال ابن رشد يحاصص به ويوقف ما نابه بالحصاص ، فكلما استوفي شيء من المنفعة أخذ المكري ما ينوبه من الموقوف ولا يحمل كلام المصنف على استيفاء المنفعة المقابلة للكراء ولا على ما وجب تعجيله لشرطه أو عرفه لأنه لا يقال فيهما حل به وبالموت ما أجل ، وقيدنا الكراء بالوجيبة ليكون لازما لا ينفسخ بموت أحد المتعاقدين وإن حل ، إذ لو كان مشاهرة لم يكن لازما فلا يأتي فيه حل به وبالموت ما أجل أفاده عب . البناني ما حمله عليه هو ظاهر المصنف والمدونة وصرح به أبو الحسن ومقابله اختيار ابن رشد في المقدمات والنوازل انظر ضيح وطفي ، وما في خش من تقييد كلام المصنف بالاستيفاء غير ظاهر ، ونص طفي قوله ولو دين كراء أي المؤجل دين كراء والمراد بالمؤجل ما لم تستوف منفعته ولم يشترط نقده ولم يكن عرف به سواء كان مؤجلا أم لا . أما المستوفى منفعته فلا خلاف أنه كسائر الديون يحل بالموت والفلس ، وكذا المشترط نقده أو كان العرف والخلاف في غير ذلك فظاهر الكتاب حلوله لقوله إذا فلس المكتري فصاحب الدابة أحق بالمتاع ، إذ ظاهرها تعجيل الحق ولو فلس قبل الاستيفاء .

أبو الحسن يقوم منه أن من اكترى دارا بثمن مؤجل ثم مات قبل أن يسكن فإنه يحل بموته ، ولقولها وإن مات المكتري وقد سكن أو لم يسكن لزم ورثته الكراء . أبو الحسن يؤخذ منه أن الكراء يحل فيما ترك الميت بموته . ا هـ . وقيل لا يحل ويحاصص في الفلس فما نابه يوقف فكل ما سكن المكتري شيئا دفع له بحسبه وسبب الخلاف كون العوض لم يقبض . أبو الحسن اختلف في الديون التي أعواضها غير مقبوضة هل تحل بالموت أم لا ، وظاهر الكتاب أنها تحل ا هـ . وقال في المقدمات وأما ما لا يمكنه دفع العوض فيه ويمكنه دفع ما يستوفى منه مثل أن يكتري الرجل دارا بالنقد أو يكون العرف فيه النقد فيفلس المكتري قبل قبض الدار أو بعد القبض وسكن البعض من السكنى فأوجب ابن القاسم في المدونة للمكري المحاصة بكراء ما بقي من السكنى إذا شاء أن يسلمه ، وله مثله في العتبية ، وعلى قياس هذا إن فلس قبل قبض الدار فللمكري أن يسلمها ويحاصص بجميع كرائه وهذا قياس قول أشهب الذي رأى قبض أوائل الكراء قبضا لجميع الكراء [ ص: 26 ] فيجيز أخذ الدار للمكري من الدين .

وأما ابن القاسم فالقياس على أصله أن يحاصص الغرماء بكراء ما مضى ويأخذ داره وليس له أن يسلمها ويحاصص الغرماء بجميع الكراء ، ولو لم يشترط في الكراء النقد ولا كان العرف فيه النقد لوجب على المذهب المتقدم إذا حاصص أن يوقف ما وجب في المحاصة ، فكلما سكن شيئا أخذ بقدره . ا هـ . فجزم ابن رشد بالقول المقابل الذي أشار له المصنف بالمبالغة ، وهكذا فعل في نوازله ، ونصه ومن اكترى دارا سنين معلومة بنجوم فمات أو فلس فالأصح في النظر أنها لا تحل بموته ولا بتفليسه ، إذ لا يحل عليه ما لم يقبض بعد عوضه وهل أصل ابن القاسم لأنه لم ير قبض الدار قبضا لسكناها ، فيأتي على مذهبه أن الكراء لا يحل بموته وينزل ورثته منزلته . ا هـ . وهذا اختيار له وأنه الجاري على مذهب ابن القاسم بعد اعترافه بمذهب ابن القاسم في المدونة والعتبية ، زاد في نوازله إلا أن يقول رب الدار لا أرضى بذمتهم فله فسخ الكراء وأخذ داره ، ويأتي على مذهبه في التفليس أنه يأخذ داره ولا يسلمها ويحاصص الغرماء بكرائها إلا برضاهم ، ومر قوله له أن يسلمها ويحاصص الغرماء وهذا اضطراب من قوله وجريان على غير أصله ورجوع منه إلى مذهب أشهب لأنه رأى أن قبض الأوائل من الكراء قبض للجميع .

وقاله في موضع آخر من نوازله وقد رأيت لبعض الشيوخ أن جميع الكراء يعجل المكتري من تركة المكتري لأنه تحل عليه بموته الديون المؤجلة وذلك غير صحيح لأنه إنما يحل عليه ما قبض عوضه وما بقي من الكراء لم يقبض عوضه لأنه منافع تقبض شيئا بعد شيء . ا هـ . فانظر كيف جعل قول ابن القاسم في المدونة غير صحيح وذلك لعلو مرتبته ، وقد نص هو على أنه لا يجوز لإنسان أن يعتمد على الرواية حتى يعلم صحتها ، يعني إذا كان أهل الاجتهاد في الترجيح كهو فلا يغتر بكلامه من قصرت رتبته عن رتبته ، إذا تمهد هذا علمت أن تقرير تت غير محرر لجعله محل الخلاف استيفاء المنفعة ، وقد علمت أنه محل وفاق ، واعتمد فيما لم يستوف على كلام ابن فرحون وهو خلاف مذهب [ ص: 27 ] ابن القاسم في المدونة والعتبية وإن وافق اختيار ابن رشد ، ولا يعدل عن الرواية لاختيار أحد الشيوخ وابن فرحون لم يذكره على أنه المذهب بل على أنه قول قيل به على عادته في ألغازه يأتي ما يأتي به اللغز من غير تقييد بالمشهور ونصه فإن قلت رجل مات ولا يحل دينه إلا عند حلول أجل الدين . قلت هذا في الرجل يكتري دارا بمائة درهم يوفيها عند انقضاء الأجل ثم مات قبل أن يستوفي السكنى فلا تحل المائة بموته ، وتلزم الورثة على حسب ما لزمت المكتري بخلاف سائر الديون ذكره أبو إبراهيم الأعرج . ا هـ . فلم يعزه إلا لأبي إبراهيم .

وإذا فلس المدين وهو غائب حل ما عليه من الدين المؤجل سواء قدم من غيبته وهو معدم ( أو قدم ) المفلس ( الغائب ) حال كونه ( مليا ) فقد حل المؤجل عليه لأن الحاكم حكم بتفليسه وهو مجوز لقدومه مليا فمضى حكمه ولا ينفع المدين دعواه تبين خطئه بملائه ، هذا ظاهر كلام أصبغ ، واختار بعض القرويين أنه لا يحل ما عليه لأن الغيب كشف خلاف ما حكم به فصار كحكم تبين خطؤه . ابن عبد السلام الأول أقرب لأن الحاكم حين قضائه بالمحاصة كان مجوزا لما قد ظهر الآن ، وأيضا فهو حكم واحد وقد وقع الاتفاق على أن من قبض شيئا من دينه المؤجل لا يرد ذلك إذا قدم مليا فكذلك ما بقي نقله في التوضيح .




الخدمات العلمية