الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن تعيب ، وإن قل ككسر نهديها ، أو جنى هو أو أجنبي ، خير فيه : [ ص: 122 ] كصبغه في قيمته وأخذ ثوبه ، ودفع قيمة الصبغ

التالي السابق


( وإن تعيب ) بفتحات مثقلا أي المغصوب المقوم بسماوي وهو في حوز غاصبه إن كثر عيبه ، بل ( وإن قل ) عيبه على المشهور من مذهب المدونة ، ومثل للعيب القليل بقوله ( ككسر ) أي انكسار وارتخاء ( نهديها ) بفتح النون وسكون الهاء مثنى نهد كذلك حذفت نونه لإضافته ، أي ثديي الجارية وكانت حين غصبها قائمتهما ( أو جنى هو ) أي الغاصب ( أو ) جنى ( أجنبي ) على المغصوب ، وجواب إن تعيب قوله ( خير ) [ ص: 122 ] بضم الخاء المعجمة وكسر التحتية مثقلة المالك ( فيه ) أي المعيب وفيه إجمال ، وتفصيله أنه في الصورة الأولى وهو تعيبه بسماوي يخير بين أخذ المغصوب بلا أرش لعيبه وتركه ، وأخذ قيمته يوم غصبه . قال فيها وما أصاب السلعة بيد غاصبها من عيب قل أو كثر بأمر من الله عز وجل فربها مخير في أخذها معيبة أو أخذ قيمتها يوم غصبها ، وليس للغاصب أن يلزم ربها أخذها ويعطيه ما نقصها إذا اختار ربها أخذ قيمتها . ا هـ . وذكر هذه الصورة ابن الحاجب ولم يحك فيها خلافا .

وفي الصورة الثانية وهو تعيبه بجناية الغاصب فيخير ربه بين أخذه وأخذ أرش الجناية من الغاصب وتركه وأخذ قيمته منه يوم غصبه ، هذا مذهب المدونة ، قال فيها ولو كان الغاصب هو الذي قطع يد الجارية فلربها أن يأخذها وما نقصها أو يدعها ويأخذ قيمتها يوم غصبها . ابن يونس قوله وما نقصها أراد يوم الجناية . وذكر ابن الحاجب فيها قولين هذا ، وعزاه لابن القاسم ، ومقابله لأشهب وهو أنه ليس له إلا أخذها بغير أرش أو أخذ القيمة ، وجعله البساطي المذهب ، وفيه نظر لأن الأول هو مذهب المدونة كما علمت ، ولم أر من رجح الثاني ولا من شهره .

وفي الصورة الثالثة وهو تعيبه بجناية أجنبي يخير ربه بين أخذه وأخذ أرش عيبه من الأجنبي ، أو أخذ قيمته من الغاصب يوم غصبه ويتبع الغاصب الجاني بالأرش يوم جنايته ، قال فيها ولو قطع يدها أي الجارية أجنبي ثم ذهب ولم يقدر عليه فليس لربها أخذ الغاصب بما نقصها ، وله أن يضمنه قيمتها يوم غصبها ، ثم للغاصب اتباع الجاني بما جنى عليها ، وإن شاء ربها أخذها واتبع الجاني بما نقصها دون الغاصب . ا هـ . وذكرها ابن الحاجب ولم يحك فيها خلافا أيضا ، أفاده الحط .

وشبه في التخيير فقال ( كصبغه ) أي الغاصب ثوبا أبيض فلم تنقص قيمته بأن زادت أو بقيت بحالها فيخير المغصوب منه ( في ) أخذ ( قيمته ) أبيض يوم غصبه ( أو أخذ ثوبه ) مصبوغا ( ودفع قيمة الصبغ ) بكسر الصاد المهملة أي ما صبغ به كالزعفران [ ص: 123 ] للغاصب ، وإن نقصت قيمته بصبغه فيخير ربه في أخذه وأرش نقصه ، أو أخذ قيمته يوم غصبه . ابن الحاجب وإذا صبغ الثوب خير المالك بين القيمة والثوب ودفع قيمة الصبغ .

وقال أشهب لا شيء عليه في الصبغ ، أما لو نقصت قيمته فلا شيء عليه ، وله أن يأخذه . قال في التوضيح يعني إذا صبغ الغاصب الثوب فزادت قيمته أو لم تزد ولم تنقص فمذهب المدونة أنه يخير المالك فيما ذكر ، ويدل على ما قيدنا به كلام المصنف قوله في قسيمه أما لو نقصت إلخ ، وهو ظاهر ، لأنه عيب فكسائر العيوب ا هـ .

قوله لأن ذلك عيب إلخ نحوه لابن عبد السلام ، وإذا كان عيبا فالظاهر أن يغرم الغاصب الأرش إذا اختار رب الثوب أخذه لحدوثه منه وقد تقدم أن مذهب المدونة تغريمه الأرش مع أخذ السلعة إذا كان العيب منه . ابن عرفة في تضمين الصناع منها ولك أخذ ما خاطه الغاصب بلا غرم أجر الخياطة لتعديه . قلت الفرق بينهما أن الصبغ بإدخال صنعة في المغصوب فأشبه البناء والخياطة مجرد عمل فأشبهت التزويق .




الخدمات العلمية