الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 130 ] والقول له في تلفه ونعته وقدره ، وحلف : [ ص: 131 ] كمشتر منه ، [ ص: 132 ] ثم غرم لآخر رؤيته ;

التالي السابق


( و ) إن ادعى الغاصب تلف المغصوب وأنكره المغصوب منه ف ( القول له ) أي الغاصب ( في ) دعوى ( تلفه ) أي المغصوب ( و ) إن اختلف الغاصب والمغصوب منه في وصف المغصوب لتقويمه بحسبه فالقول للغاصب ( في نعته ) أي وصف المغصوب إن وصفه بما يشبه ، وكذا إن اختلفا في ذاته . اللخمي إن قال غصبني هذا العبد فقال بل هذا فالقول للغاصب ( والقول ) للغاصب إن اختلفا في ( قدره ) أي المغصوب من كيل أو وزن أو عدد لأنه غارم ( وحلف ) الغاصب في المسائل الثلاثة إن أشبه ، فإن لم يشبه وأشبه ربه فالقول له بيمينه ، فإن لم يشبها فقال ابن ناجي يحلفان ويقضى بينهما بأوسط القيم ، هذا هو المشهور . وقال أشهب يصدق الغاصب بكل حال وإن قال عميا صما ومراعاة الشبه غلط ، وإنما هم في اختلاف المتبايعين في نقله والكثرة للثمن والسلعة قائمة .

ابن يونس واللخمي الأول أحسن . الحط في الوسط أي الغاصب في دعوى التلف والقدر والوصف قاله في المدونة . ا هـ . هذا يوهم أنه نص في المدونة على اليمين في دعوى التلف وليس كذلك . قال في التوضيح لم أر في الأمهات وجوب اليمين على الغاصب إذا ادعى التلف ، لكن نص فيها في الشيء المستحق إذا كان مما يغاب عليه أنه يحلف إذا ادعى المشتري تلفه ، و كذا في رهن ما يغاب عليه ولا يمكن أن يكون الغاصب أحسن حالا منهما وقد نص . ابن عبد السلام على وجوب اليمين هنا في التلف . ا هـ . ونحوه لأبي الحسن ، قال فيها إذا ادعى الغاصب هلاك ما غصب من أمة أو سلعة فاختلفا في صفتها صدق غاصبها بيمينه .

أبو الحسن ظاهره أنه يصدق في الهلاك من غير يمين ، وقد ذكر الأمة والسلعة وقد [ ص: 131 ] تقدم في الشيء المستحق إذا كان مما يغاب عليه أن يحلف المشتري إذا ادعى ، وكذا في رهن ما يغاب ، وكيف يكون الغاصب أحسن حالا من هؤلاء إلا أن يقال إن معنى ما قاله هناك المغصوب صدقه أو أقام على ما ادعى بينة ا هـ والله أعلم . " ق " فيها من غصب أمة وادعى هلاكها واختلفا في صفتها صدق الغاصب في صفتها مع يمينه إذا أتى بما يشبه ، فإن أتى بما لا يشبه صدق المغصوب منه مع يمينه . ومن انتهب صرة ثم قال كان فيها كذا وادعى المغصوب منه أكثر فالقول للغاصب بيمينه وسمع ابن القاسم إن انتهبها وطرحها في متلف فالقول قول المنتهب منه . ابن يونس إذا طرحها ولم يفتحها ولم يدر ما فيها فالقول قول المنتهب منه بيمينه فيما يشبه لأنه يدعي تحقيقا . وإن غاب الغاصب عليها ، وقال الذي فيها كذا وكذا فالقول قوله بيمينه .

تت يدخل في تخالفهما في القدر مسألتان ، الأولى غاصب صرة يلقيها في البحر مثلا ولا يدري ما فيها ولم يفتحها ، أو لا يلقيها ويدعي ربها أنها كذا ، ويخالفه الغاصب ، فالقول للغاصب بيمينه عند مالك " رضي الله عنه " . ابن ناجي وعليه الفتوى لإمكان معرفته ما فيها باطلاع سابق أو بحبسها . وقال مطرف وابن كنانة وأشهب القول لربها بيمينه إن أشبه لادعائه تحقيقا والآخر تخمينا وإن غاب عليها فالقول له بيمينه .

الثانية : قوم أغاروا على منزل رجل والناس ينظرون فذهبوا بما فيه ولم يشهد أحد بعين المنهوب ، بل بالإغارة والنهب ، فقال ابن القاسم لا يعطى المنتهب منه بيمينه ، وإن ادعى ما يشبه محتجا له بقول مالك في الصرة . وقاله أشهب وعبد الملك وقال مطرف القول للمغار عليه بيمينه إن أشبه ، و المدونة محتملة لهما ففيها عن مالك إذا انتهبها أو غصبها بحضرة بينة ، ثم قال كان فيها كذا وادعى ربها أكثر فالقول للغاصب بيمينه ، ولم يبين هل طرحها في متلف أم لا . ا هـ . وإن أخذ واحد من المغيرين ضمن الجميع كالسراق والمحاربين .

وشبه في التصديق في دعوى التلف والقدر والصفة باليمين فقال ( ك ) شخص ( مشتر [ ص: 132 ] منه ) أي الغاصب المغصوب ثم ادعى تلفه أو قدره أو صفته وخالفه المغصوب منه فالقول للمشتري بيمينه ، وسواء علم أن البائع له غاصب أم لا ، وظاهره سواء كان مما يغاب عليه أم لا ، والذي في العتبية وابن الحاجب لو ادعى المبتاع التلف صدق فيما لا يغاب عليه من رقيق وحيوان ، ولا يصدق فيما يغاب عليه ، ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد هلك ، ويغرم قيمته إلا أن يأتي ببينة على هلاكه من غير سببه ، وأقره في توضيحه ، قال وكذلك يفهم من المدونة . قيل وإذا صدق فيما لا يغاب عليه فإنما ذلك إذا لم يظهر كذبه كالرهن والعواري ، وأطلق هنا أفاده تت .

" ق " من رسم استأذن من سماع عيسى سئل ابن القاسم " رضي الله عنه " عن رجل اشترى سلعة فأقام آخر بينة أنها اغتصبت منه فزعم المشتري أنها هلكت ، قال إن كانت حيوانا فهو مصدق ، وإن كانت مما يغاب عليه فلا يقبل قوله ، وأحلف أنها هلكت وعليه قيمتها .

قيل فإن كان باعها ، قال ليس عليه إلا ثمنها ، وقوله مقبول في الثمن . ابن رشد هذه مسألة صحيحة جيدة ، وقوله يحلف إن ادعى تلفها مخافة أن يكون غيبها ، ومثله يجري في المرتهن والمستعير والصانع يدعون تلف ما يغاب عليه .

وبين متى يضمن ما يغال عليه فقال ( ثم غرم ) المشتري قيمة المغصوب معتبرة بالنسبة ( ل ) حالها يوم آخر ( رؤية ) رئي المغصوب عنده عليها بعد شرائه ، بخلاف الصانع والمرتهن يدعي ضياعه بعد رؤيته عنده بعد شهر مثلا ، فإنه يضمن قيمته يوم قبضه لأنهما قبضاه على الضمان ولما غيباه اتهما في استهلاكه فأشبها المتعدي ، بخلاف المشتري فقد قبضه على الملكية فلا يتهم . الحط ظاهره أن القول قوله في التلف والنعت والقدر ويحلف ، والمنقول أنه يصدق في هلاك ما لا يغاب عليه ولم يذكروا حلفه ، لكن شبهوه بالرهون والعواري فاقتضى أنه يحلف فإن كان مما يغاب عليه فيحلف على التلف ويغرم القيمة . وقيل لا يمين عليه ، وقالوا إذا باعه يلزمه ثمنه .

وقوله مقبول في قدره هذا ما رأيته في المسألة في البيان والتوضيح في رسم استأذن من [ ص: 133 ] سماع عيسى من الغصب ، سئل ابن القاسم عمن اشترى سلعة في سوق المسلمين فأقام غيره بينة أنها غصبت منه فزعم مشتريها هلاكها ، فقال إن كانت حيوانا صدق ، وإن كانت مما يغاب عليه فلا يقبل وأحلف وأغرم قيمتها إلا أن يأتي ببينة على هلاكها بأمر من الله تعالى ، كسرقة وغرق ونار فلا شيء عليه .

قيل فإن باعها ، قال ليس عليه إلا ثمنها . قيل له فإن قال بعتها بكذا ولا بينة له إلا قوله أيصدق في ذلك . قال قوله مقبول في ذلك لأنه قد يعرف الشيء في يديه ثم يتغير عنده قبل بيعه بكسر أو عور أو شيء بعينه . ابن رشد قال يحلف إذا ادعى تلف السلعة التي اشتراها ويغرم قيمتها مخافة أن يكون غيبها ا هـ . وقال أصبغ يصدق في ضياع ما يغاب عليه بيمين . ابن عبد السلام وخرج بعضهم عدم اليمين على المشهور مع الضمان والله تعالى أعلم . .




الخدمات العلمية