الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفسخت فاسدة بلا عمل . وإلا ، فهل تمضي ويترادان الأرض والعمل إن جعل للعامل جزء ؟ أو إن كان كذلك قيمة غرسه وعمله فقط ؟ وإلا ففي كونه كراء فاسدا أو إجارة فاسدة كذلك ؟ [ ص: 428 ] قولان تردد

التالي السابق


( وفسخت ) بضم فكسر مغارسة ( فاسدة ) إن كانت ( بلا عمل ) من العامل في الأرض قبل ظهور فسادها فترد الأرض لربها ولا شيء لأحدهما على الآخر ( وإلا ) أي وإن لم تكن بلا عمل بأن عمل العامل فيها قبل ظهور فسادها ( فهل تمضي ) المغارسة بينهما إلى تمامها بالحد المدخول عليه كالصحيحة ( ويترادان ) أي رب الأرض وغارسها ( قيمة الأرض و ) قيمة ( العمل ) فيرجع رب الأرض بنصف قيمتها على العامل والعامل بنصف قيمة عمله على رب الأرض الأرض فيتقاصان ومن زاد عليه شيء يدفعه للآخر ( إن ) كان ( جعل ) رب الأرض ( للعامل جزءا ) من الأرض والشجر حين عقدها ، فإن لم يجعل له جزءا فتفسخ ، وهذه طريقة بعض المؤلفين فيها غير ابن رشد

( أو إن كان ) عقد المغارسة ( كذلك ) المذكور في كونه بجزء للعامل ، والموضوع ظهور الفساد بعد العمل ( فله ) أي العامل على رب الأرض ( قيمة غرسه وعمله فقط ) أي ولا شيء له من الأرض والشجر ( وإلا ) إي وإن لم تكن كذلك في كونها بجزء للعامل ، بأن كانت بلا جزء له من الأرض والشجر ( ففي كونه ) أي العقد ( كراء ) للأرض ( فاسدا ) فالغلة كلها للعامل ، وعليه كراء المثل فيما مضى ، ويخير رب الأرض في إلزامه بقلع غرسه وإبقائه لنفسه ودفع قيمته له مقلوعا .

( أو ) كونه ( إجارة ) للعامل ( فاسدة ) فالأرض والشجر لرب الأرض ولا شيء منهما للعامل حال كونها ( كذلك ) المذكور في أنه ليس للعامل إلا قيمة غرسه وعمله [ ص: 428 ]

( قولان ) مبتدأ خبره في كونه كراء فاسدا أو إجارة كذلك ، وهذه طريقة ابن رشد ( تردد ) أي طريقتان مبتدأ خبره محذوف ، أي في جواب هل تمضي إلخ ، يعني أن المغارسة الفاسدة إذا اطلع عليها قبل شروع العامل في عملها فإنها تفسخ ولا شيء لواحد منهما على الآخر ، وإن اطلع عليها بعد الغرس ومعالجته ففيها طريقتان ، الأولى لبعض المؤلفين النظر في المغارسة ، فإن كان فيها جزء للعامل من الأرض والشجر وفسدت من وجه آخر ككونها لأجل بعيد يثمر الشجر قبله أو يخدمها العامل ما عاش فتمضي ، ويترادان قيمتي الأرض والعمل بينهما أي يرجع صاحب الأرض على العامل بنصف قيمة الأرض ، ويرجع العامل عليه بنصف قيمة عمله ، وإن لم يجعل له جزءا منهما تفسخ قاله الإمام مالك رضي الله تعالى عنه إلا أن هذا الشرط ومفهومه لم يذكروه عنه ، وإنما أخذناه من قوة كلامهم .

الطريقة الثانية . لابن رشد ومن وافقه أنه إن كان فيه جزء للعامل فله قيمة غرسه ، أي الأعواد التي غرسها وعمله أي معالجته إلى يوم الحكم ، وعبارة ابن رشد إذا جعل له جزءا من الأرض على وجه لا يجوز في المغارسة كقوله اغرس هذه الأرض وقم على غرسها كذا وكذا سنة أو حتى تبلغ كذا وكذا لأجل أو حتى يكون الإطعام دونه ففيها ثلاثة أقوال : أحدها أنها إجارة يرد عليه الغارس ما أخذ منها يريد من الثمرة مكيلتها إن عرفت وخرصها إن جهلت ، ثم قال وهذا هو القول الصحيح . ا هـ . وعلى هذا فالغرس كله لرب الأرض ، ولا شيء منه للعامل . وأما إن لم يجعل للعامل جزء من الأرض بأن قال له اغرسها والثمر فقط بيننا والثمر والشجر فقط بيننا ولا شيء لك من الأرض أو قال له ما دامت الأشجار قائمة فإنك تنتفع بها في الأرض ، وإن ذهبت فلا حق لك فيها ، فقيل إنه كراء فاسد وهو قول ابن القاسم . وقال أشهب وسحنون إجارة فاسدة فعلى أنه كراء الغلة كلها للعامل ولرب الأرض كراء أرضه من يوم أخذها . وقيل من يوم غرسها . وقيل من يوم إثمارها ويخير رب الأرض في أمره بقلع شجره وإعطائه قيمته مقلوعا . وقيل قائما لأنه غرسه بشبهة ، [ ص: 429 ] وعلى أنها إجارة فاسدة فالعلة كلها لرب الأرض ، ويرجع بمكيلة ما أخذه منها إن علمت وخرصها إن جهلت ، وللعامل أجر مثله في غرسه وسقيه وعلاجه ، وفيها أقوال أخر .




الخدمات العلمية