الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 138 ] ولفق شاهد بالغصب لآخر على إقراره بالغصب : [ ص: 139 ] كشاهد بملكك : لثان بغصبك ، وجعلت ذا يد ، لا مالكا ، إلا أن تحلف مع شاهد الملك ، ويمين القضاء

التالي السابق


( و ) إن ادعى شخص على آخر بأنه غصب منه مالا فأنكره فأقام عليه شاهدا بمعاينة غصبه وشاهدا آخر بإقراره له به ( لفق ) بضم اللام وكسر الفاء مشددة أي ضم ( شاهد ) شهد ( ب ) معاينة ( الغصب ) من المدعى عليه للمدعي ( ل ) شهادة شاهد ( آخر ) شهد للمدعي ( على إقراره ) أي المدعى عليه ( بالغصب ) لمال المدعي وثبت الغصب بشهادتهما فيحكم على المدعى عليه برد المغصوب بعينه إن لم يفت وعوضه إن كان فات فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى إن أقمت شاهدا أن فلانا غصبك هذه الأمة وشهد آخر على إقراره أنه غصبكها تمت الشهادة .أبو الحسن أي بالغصب ، وقضي لك بها بلا يمين القضاء ولم تتم بالملك عياض إذ قد تكون بيدك وديعة أو عارية أو رهنا أو بأجرة ولا يعارض ما هنا قولها لو شهد رجل بقتل خطأ وآخر على الإقرار به فلا يجب على العاقلة شيء من الدية إلا بالقسامة لأنه هنا أقر على نفسه فلزمه إقراره وهناك على عاقلته فلم يعتبر إقراره أفاده تت . [ ص: 139 ] وشبه في التلفيق فقال ( كشاهد بملكك ) لما ادعيت غصبه منك ( ل ) شاهد ( ثان ) شهد ( بغصبك ) أي بغصبها منك ( وجعلت ) بضم فكسر وفتح تاء خطاب المدعي ( ذا ) أي صاحب ( يد ) أي حائزا فقط للمدعى به ، وفي بعض النسخ حائزا والمعنى واحد ويعني بلا يمين في الصورة الثانية مع قيام السلعة لاجتماع الشاهدين على حوز المشهود له ، فإن فاتت أو تعيبت فليس له أن يضمن المشهود عليه قيمتها إلا إذا حلف مع شاهد الملك وهذا الذي درج عليه المصنف هنا تبع فيه ما في التنبيهات لعياض ، ونقل " غ " كلامه وسيأتي .

وعطف على ذا يد أو حائزا بلا فقال ( لا مالكا ) له في المسألتين لأن شاهد الغصب لم يثبت لك ملكا لاحتمال أنك حزتها بإيداع أو إعارة أو رهن أو إجارة في كل حال ( إلا أن تحلف ) يا مدعي ( مع شاهد الملك ) أن ما شهد به حق وأنك مالك له ( و ) تحلف أيضا ( يمين القضاء ) أنك لم تبعها ولم تتصدق بها ولم تهبها ولم تخرج عن ملكك بوجه من الوجوه لأن شاهد الملك لم يثبت لك غصبا لاحتمال أنها خرجت عن ملكك بوجه مما تقدم ، وهذا على ثبوت الواو ، وكما في الأقفهسي من مسودة المصنف ، وكثير وعند الشارحين بغير واو فيحلف يمينا واحدة يجمع الأمرين فيها .

" غ " هاتان مسألتان ، أما الأولى : فقال فيها في المدونة وإن أقمت شاهدا أن فلانا غصبك هذه الأمة ، وشاهدا آخر على إقراره أنه غصبكها تمت الشهادة أبو الحسن أي تمت الشهادة بالغصب ، ويقضى لك بها من غير يمين القضاء ولم تتم بالملك إذ قد تكون بيده وديعة أو عارية أو رهنا أو بأجرة .

وأما الثانية : فقال فيها في المدونة لو شهد أحدهما أنها لك وشهد آخر أنه غصبكها فقد اجتمعا على إيجاب ملكك لها فيقضى لك بها ولم يجتمعا على إيجاب غصبك ، فإن دخل الجارية نقص كان لك أن تحلف مع الشاهد بالغصب وتضمن الغاصب القيمة ، هكذا [ ص: 140 ] اختصرها أبو سعيد وأكثرهم ، تبعا لأبي محمد والذي في الأمهات لو أني أقمت شاهدا على أنه غصبنيها وأقمت آخر على أنها جاريتي قال لأراهما شهادة واحدة ، فإن دخل الجارية نقص حلف مع الذي شهد له أنه غصبها وأخذ قيمتها إن شاء .

قال عياض لم يجعلهما شهادة واحدة ، إذ لم يتفقا على الغصب فيضمنه القيمة في الفوات ، ولا على الملك فيأخذها بعد يمين القضاء في القيام أنه لم يفوتها ، وأنها ملكه ، إذ لم يشهد شاهد الغصب بالملك التام ، وإذ لو شهد بالملك التام ما حكم لربها حتى يحلف يمين القضاء أنها ما خرجت عن ملكه ، ولو تمت الشهادة بالغصب لم تتم بالملك إذ يقول لا أدري أنها ملكه ولعلها عنده وديعة أو عارية أو رهن أو بإجارة ، وإنما رأيته أخذها من يده وقد ذكر أبو عمران عن أصبغ أن ابن القاسم رجع عما في كتاب الغصب ، وقال أراهما شهادة واحدة لما قلناه ، وجعلهما في الرواية الأخرى شهادة واحدة ولم يقل تامة لأنها توجب في قيامها تقديم يد القائم عليها دون الحكم له بملكها حتى يحلف مع شاهد الملك ويمين القضاء حتى لو جاء آخر بشاهدين على الملك أو شاهد عليه وأراد أن يحلف معه كان أحق به ، إلا أن يحلف هذا مع شاهد الملك .

واختلف هل يمينه مع شاهد الملك معارض لشاهدين بملك غيره أو يرجح عليه الشاهدان ؟ وعلى هذه الرواية الأخيرة في المسألة اختصرها أبو محمد ، وقال فقد اجتمعا على إيجاب الملك ولم يجتمعا على إيجاب الغصب ، وتبعه أكثر المختصرين ، وقد قال بعد هذا إذا شهدوا أنه غصبها منه فقد شهدوا أنها له وإن قالوا لا ندري أهي للمغصوب منه أم لا ، ثم قال أما كنت تردده عليه وهذا إنما أراد ردها إليه بتقديم يده عليها على ما قدمناه ، . ا هـ . وقد ظهر لك أن قوله وجعلت ذا يد لا مالكا راجع للمسألتين ، وأن قوله إلا أن يحلف مع شاهد الملك خاص بالثانية إذ لا شاهد ملك في الأولى والله سبحانه وتعالى أعلم .

" ق " فيها لابن القاسم وإن أقمت شاهدا أن فلانا غصبك هذه الأمة وشاهدا [ ص: 141 ] آخر أنها لك فقد اجتمعا على إيجاب ملكك لها فيقضى لك بها بعد أن تحلف أنك ما بعت ولا وهبت كمن استحق شيئا ببينة وذلك إذا ادعاها الغاصب لنفسه لأنهما لم يجتمعا على إيجاب الغصب . ابن يونس وقال بعض الفقهاء شهادتهما مخالفة ، فإذا لم تفت حلف مع أي الشاهدين شاء . إن حلف مع شاهد الغصب حلف لقد شهد شاهده بحق وردت إلى يده بالحيازة فقط لأنه لم يثبت له ملكا وشاهد الملك لم يثبت له غصبا ، إذ يمكن أن تكون خرجت عن ملكه ببيع إلى الذي هي بيده ، فلما لم يجتمعا على ملك ولا على غصب حلف كما قدمنا .

ابن القاسم ولو دخل الجارية نقص كان لك أن تحلف مع شاهد الغصب وتضمن الغاصب القيمة قوله وجعلت ذا يد لا مالكا لم يذكر هذا في المدونة . وظاهر ما تقدم لابن يونس أن ما لبعض الفقهاء معارض لها ، وإنما هو إذا حلف مع شاهد الغصب ولم يذكر سيدنا الشيخ خليل أن يحلف . طفي أنت ترى أن ابن يونس إنما ذكر هذا على عدم التلفيق ، وأن الشهادة مختلفة فلا بد من الحلف مع أحدهما لانفراد كل بشهادة . وأما على ما درج عليه المصنف من التلفيق فلا يحتاج لليمين مع شاهد الغصب لأن الشهادة تمت على الحوز ، ولذا لم يذكرها المصنف معه ، بل قال وجعلت ذا يد فقط فما قاله الشارحان من التخيير بين الحلف مع شاهد الملك والحلف مع شاهد الغصب وهم .

واعلم أن المصنف سلك هذه المسألة طريق عياض في التلفيق وكونها شهادة بالملك غير التام ، وطريق أبي محمد وأبي سعيد وكثير من المختصرين أنها شهادة تامة يقضى بها بالملك مع يمين القضاء انظر التنبيهات و " غ " ، فقد نقل كلامها والله أعلم . البناني ولما لم يقف " ق " على كلام التنبيهات اعترض على المصنف بأنه خالف ما في المدونة ، ونقل ابن يونس ووهم الشارحان فحملا كلام المصنف على ما نقله ابن يونس وهو غير صحيح لتصريح المصنف بالتلفيق ولعدم ذكره اليمين . .




الخدمات العلمية