الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفسخت بتلف ما يستوفى منه ، لا به [ ص: 519 - 520 ] إلا صبي تعلم ورضع ، وفرس نزو ، وروض ، وسن لقلع [ ص: 521 ] فسكنت ، كعفو القصاص ، وبغصب الدار ، وغصب منفعتها

التالي السابق


( وفسخت ) بضم فكسر الإجارة ( ب ) سبب ( تلف ) بفتح التاء واللام ( ما ) أي كل شيء ( يستوفى ) بضم أوله وفتح ما قبل آخره ( منه ) المنفعة كموت حيوان معين وانهدام عقار معين ( لا ) تنفسخ الإجارة بتلف ما يستوفي المنفعة ( به ) كالراكب والساكن [ ص: 519 ] طفي أطلق في عدم الفسخ كابن الحاجب وابن شاس وعبد الوهاب وغير واحد سواء كان التلف بسماوي أو من قبل الحامل . ابن رشد في المقدمات في هلاك المستأجر عليه أربعة أقوال أحدها وهو المشهور أن الإجارة لا تنتقض ، وإليه ذهب ابن المواز ، والثاني تنتقض بتلفه وهو قول أصبغ ، وروايته عن ابن القاسم وله من كرائه بقدر ما سار من الطريق .

الثالث : الفرق بين أن يأتي تلفه من قبل ما عليه استعمل أو من السماء ، فإن أتاه من قبل ما عليه استعمل انفسخ الكراء فيما بقي ، وله من كرائه بقدر ما مضى من الطريق ، وإن كان تلفه من السماء كان المستأجر بمثله ولا ينتقض الكراء ، وهو قول مالك رضي الله تعالى عنه

الرابع : إن أتاه تلفه من قبل ما عليه استعمل الكراء ولا كراء له في الماضي ، وإن كان من السماء أتاه المستأجر بمثله ولا ينفسخ الكراء ، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك ا هـ . وفي البيان من عثر بجرة حملها بأجرة فانكسرت وهو قوي على حملها فلا ضمان عليه ولا أجر له ، هذا قول ابن القاسم فيها وروايته لأنه على البلاغ ، ثم قال طفي فإن حمل قوله لا به على إطلاقه كان جاريا على ما شهره ابن رشد ومخالفا مذهب ابن القاسم وروايته فيما تلف بسبب حامله لأنه عنده لا أجر له ، وليس على المكتري الإتيان بمثل ذلك ، إذ لو كانت الإجارة لا تنتقض لكان عليه أن يأتي بمثله ويلزمه الكراء ، ولتصريح ابن رشد بأن مذهبها الفسخ ثم قال طفي وعلى هذا لا يفسر قوله أو عثر بدهن أو طعام إلخ ، بقولها لا ضمان ولا كراء لما علمت أن المصنف جار على غير مذهبها خلافا لجد عج في تفسيره به واستدلاله بكلامها المتقدم ، وتبعه عج وأطال بنقل كلام أبي الحسن ولم يتنبها لإطلاق المصنف هنا . وإن قيد كلامه هنا بغير ما كان من سبب حامله كان جاريا على مذهبها ، وبه يفسر قوله أو عثر بدهن أو طعام إلخ ، كما فعل جد عج ومن تبعه ، لكن يبعده إطلاق المصنف تبعا لغيره ولم يستثن إلا الأربعة والعجب من شراحه حيث لم ينبهوا على هذا ، والله الموفق . البناني الذي رأيته في البيان أن القول المشهور هو الذي عزاه لابن القاسم في [ ص: 520 ] المدونة وروايته ، وذكر نصه ثم قال تتحصل فيها ثلاثة أقوال الفسخ بتلفه بلا تفصيل وعدمه بلا تفصيل والتفصيل بين تلفه بأمر من الله تعالى ، فلا تنفسخ ، وتلفه من قبل ما عليه استعمل انفسخ الكراء فيما بقي ولا شيء له فيما مضى . وقيل له بحساب ما سار .

( إلا ) تلف ( صبي تعلم ) بفتح الفوقية والعين وضم اللام مثقلة القراءة أو صنعة ( و ) صبي ( رضع ) بفتح فسكون ، أي رضاع ( وفرس نزو ) بفتح فسكون ( و ) فرس ( روض ) بفتح الراء وسكون الواو وعجام الضاد ، أي تأديب فتنفسخ الإجارة به . ابن رشد إن استأجره على عمل في شيء معين لا غاية إلا بضرب الأجل ، وذلك مثل أن يستأجره على أن يرعى له غنما بأعيانها أو يتجر له في مال شهرا أو سنة ، فمذهب المدونة أن هذه الإجارة لا تجوز إلا بشرط الخلف إلا في أربع مسائل ، فإن الإجارة تنفسخ فيها بموت المستأجر له موت الصبي المستأجر على تعليمه ، وموت الصبي المستأجر على إرضاعه وموت الدابة المستأجر على رياضتها وعقوق الرمكة قبل تمام الأكوام المشترطة . ابن الحاجب تنفسخ بتلف العين المستأجرة كموت الدابة المعينة وانهدام الدار ، وأما محل المنفعة فإن كان مما يلزم تعيينه كالرضيع والمتعلم فكذلك ، وإلا فلا تنفسخ على الأصح كثوب الخياطة .

( و ) فسخت إجارة إلى ( سن لقلع فسكنت ) السن ، أي برئت وذهب ألمها قبل [ ص: 521 ] قلعها ، وشبه في الانفساخ فقال ( ك ) إجارة على قصاص من جان على نفس أو طرف فتفسخ ب ( عفو ) مستحق ( القصاص ) عن الجاني . ابن شاس تنفسخ بمنع استيفاء المنفعة شرعا كسكون ألم السن المستأجر على قلعها والعفو عن القصاص المستأجر عليه ابن عرفة هذا إذا كان العفو من غير المستأجر ، وانظر هل يقبل قول المستأجر في ذهاب ألمها والأظهر أنه لا يصدق ( و ) فسخ الكراء لدار معينة شهرا أو سنة مثلا ( ب ) سبب ( غصب ) ذات ( الدار ) غاصب لا تناله الأحكام الشرعية ( و ) ( غصب منفعتها ) أي الدار كذلك في الواضحة من اكترى دارا شهرا أو سنة وقبضها ثم غصبها السلطان فمصيبته على ربها ، ولا كراء له ، وقاله الإمام مالك في المبسوطة في غصاب أخرجوا المتكارين وسكنوا ، وكذا في سماع ابن القاسم ابن حبيب سواء غصبوا الدار من أصلها أو أخرجوا أهلها وسكنوها لا يريدون إلا السكنى حتى يرتحلوا .




الخدمات العلمية