الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 103 ] ففي الجراح حكومة ، بنسبة نقصان الجناية ، إذا برئ من قيمته عبدا فرضا من الدية . [ ص: 104 ] كجنين البهيمة ، إلا الجائفة والآمة فثلث ; والموضحة فنصف عشر ، [ ص: 105 ] والمنقلة والهاشمة ; فعشر ونصفه ، وإن بشين فيهن ، [ ص: 106 ] إن كن برأس أو لحي أعلى

[ ص: 103 ]

التالي السابق


[ ص: 103 ] وفي الجراح ) التي ليس لها دية مقدرة من الشارع إذا برئت على شين ونقص وإلا فلا شيء فيها إلا الأدب في العمد الذي لا قصاص فيه لخشية إتلافه ، فإن لم تقدر لها دية وبرئت على شين ففيها ( حكومة ) بضم الحاء والكاف أي مال محكوم به يتوصل إلى معرفة قدره ( بنسبة نقصان ) بضم فسكون ، أي ما نقصته قيمته معيبا بسبب ( الجناية ) عليه لقيمته سليما فيقوم على فرض رقيته سالما ومعيبا ، وينسب ما نقصته قيمته معيبا لقيمته سليما ، ويحكم بمثل تلك النسبة من الدية ، فإذا قوم سليما بمائة ومعيبا بثمانين فالنقصان عشرون ، ونسبته للمائة خمس فيحكم بخمس الدية .

وتكون الحكومة ( إذا برئ ) المجني عليه من الجرح ولا يستعجل بها قبل برئه لاحتمال سيلان الجرح إلى الموت فتجب الدية كاملة ، وصلة نقصان ( من قيمته ) أي المجني عليه حال كونه ( عبدا فرضا ) سليما ويحكم على الجاني بمثل تلك النسبة ( من الدية ) للمجني عليه . " غ " العامل في من قيمته نقصان ، وفي من الدية نسبة طفي هذا هو الصواب ، واعترضه ابن عاشر بأنه لا يصح بحال ، وبيانه أن نقصان الجناية من القيمة إنما ينسب من القيمة لا من الدية ، ومثل تلك النسبة هو الواجب من الدية فالصواب أن من القيمة يتنازعه نسبة ونقصان ومن الدية متعلق بمحذوف حال من مثل مقدرا قبل نسبة أي كائنا ذلك المثل من الدية ، ويصح تعلقه بفعل مقدر ، أي ويؤخذ مثل تلك النسبة من الدية ، ومعنى فرضا تقديرا لا حقيقة .

ابن عرفة الشيخ عن المجموعة والموازية روى أصحاب الإمام مالك رضي الله تعالى عنهم ليس فيما دون الموضحة في الخطأ عقل مسمى . ابن القاسم وأشهب إلا أن يبرأ على شين ففيه حكومة ولمالك رضي الله عنه في المختصر لو جرى أهل بلد على عقل مسمى فيما دون الموضحة رأيت أن يبطله الإمام ولا يحكم به ، وروى علي من ضرب رجلا فوقعت مصارينه في أنثييه فإنما فيه حكومة ، ثم قال ابن عرفة وفي النوادر عن أشهب الحكومة أن يقوم [ ص: 104 ] ذلك أهل المعرفة بقدر شينه وضرره ، وروى غيره الحكومة أن يقوم المجروح على أنه عبد صحيح ، ويقوم بذلك الشين فما نقصه نقص مثله من ديته وهو نص الجلاب بجعل ما بين القيمتين جزءا من ديته ، ومثله في كتاب الأبهري .

وفي تعليقة أبي عمران أن تفسير الحكومة أن يقوم عبدا صحيحا وعبدا بجراحة ، وينظر ما نقص فيكون عليه من الدية بقدر ذلك ، هذا قول ابن إدريس ، وتبعه عليه أصحابنا البغداديون والذي في تفسير ابن مزين الحكومة أن ينظر الإمام على قدر اجتهاده من يحضره . قلت وألفاظ المدونة أتى فيها مرة لفظ الحكومة ، ومرة لفظ الاجتهاد ، فيحتمل أن يكونا مترادفين أو متباينين ا هـ .

ابن عاشر اتفقت أنقال ابن عرفة التي حكاها في تفسير الحكومة أنها اسم لإعمال النظر المؤدي إلى معرفة الواجب في الجملة ، وإن اختلفت في كيفية النظر المؤدي إليها ، وعلى هذا فالكلام بتقدير مضاف ، أي مؤدي حكومة . تت ما ذكره المصنف في الحكومة هو المعروف ، وفي تفسير ابن مزين أن الحكومة باجتهاد الإمام ، ومن حضره عياض وظاهرها عند بعضهم أنه خلاف الأول ، وإلى الخلاف في ذلك أشار أبو عمران ، وقال هو الذي كنا نقول به قبل أن نرى القول الآخر .

وشبه في التقويم فقال ( كجنين البهيمة ) إن نزل ميتا فلا غرة فيه ، وتقوم أمه حاملا به فرضا ومسقطة له ، وعلى الجاني ما بين القيمتين ، سواء كانت من النعم أو الخيل أو الحمير ، وإن نزل حيا ثم مات فعليه قيمته مع ما نقص من قيمة أمه بسبب طرحه ، واستثنى من الجراح فقال ( إلا الجائفة ) أي الجرح الذي أفضى إلى الجوف من أي جهة عمدا عدوانا فلا قصاص فيه لأنه من المتالف ( و ) إلا ( الآمة ) بمد الهمز وشد الميم ، أي الجرح الذي وصل إلى أم الدماغ ( ف ) في كل منهما ( ثلث ) من الدية الكاملة للمجروح والظاهر أنه مخمس كالدية الكاملة على عاقلة الجاني فلا فرق فيهما بين العمد والخطأ ( و ) إلا ( الموضحة ) التي أظهرت العظم خطأ ( ف ) ديتها ( نصف عشر ) من دية المجني عليه ، [ ص: 105 ] ويقتص من عمدها كما تقدم ( و ) إلا ( المنقلة ) التي ينقل منها العظم للدواء ( والهاشمة ) التي هشمت العظم ( ف ) ديتها ( عشر ) من ديته بضم العين ( ونصفه ) أي العشر ولو عمدا .

وفي كلام ابن مرزوق ما يشعر بترجيح ما اقتصر عليه المصنف ، فإنه قال حقه أن لا يذكر الهاشمة هنا كما فعل في القصاص لأنها هي المنقلة كما هو ظاهر المدونة ، سيما مع اتحاد ديتهما أفاده الخرشي . العدوي قوله ما اقتصر عليه المصنف ، أي من أن المنقلة هي الهاشمة وأن ديتها واحدة وهو العشر ونصفه وهو مذهب ابن القاسم . وقال ابن القصار فيها ما في الموضحة وحكومة وذكر ابن عبد البر أن فيها عشرا . وقال الباجي فيها ما في الموضحة ، فإن صارت منقلة فخمسة عشر ، فإن صارت مأمومة فثلث الدية . البناني قول ابن مرزوق حقه أن لا يذكر الهاشمة إلخ ، فيه نظر مع قول المتيطي ، اختلف في الهاشمة وهي التي هشمت العظم إذا كانت خطأ فقال محمد ليس فيها إلا دية الموضحة ، وقال ابن القصار من رأيه فيها دية موضحة وحكومة . وقال شيخه أبو بكر فيها ما في المنقلة . وفي الكافي أن في الهاشمة عشر الدية مائة دينار . وفي الجواهر لا دية فيها ، بل فيها حكومة ، وهذا كله يدل على أنها غير المنقلة فلا بد من ذكرها معها . وقال ابن رشد أما الهاشمة فلم يعرفها الإمام مالك رضي الله عنه ، وقال ما أرى هاشمة في الرأس إلا كانت منقلة وديتها عند من عرفها من العلماء وهم الجمهور عشر من الإبل اللخمي في كون عقلها كموضحة أو مع حكومة ثالثها كالمنقلة لمحمد وابن القصار والأبهري

ولا يزاد على الديات المذكورة المقدرة للجراحات المستثناة المذكورة إن برئت على غير شين ، بل ( وإن ) برئت ( بشين ) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية ، أي عيب ونقص ( فيهن ) أي الجائفة وما عطف عليها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين هذه الديات لهذه الجراحات في كتابه لعمر بن حزم حين وجهه إلى نجران ولم يقيدها ببرئها على غير شين . الخرشي استثنى من كلامه الموضحة فإنها إذا برئت بشين وهي في الوجه أو الرأس ففيها ديتها وأرش الشين على المشهور ، وقاله في المدونة العدوي ، وقال أشهب لا يزاد عليها [ ص: 106 ] مطلقا ، وروى ابن نافع يزاد عليها الأرش إلا أن يكون الشين يسيرا . طفي قوله وإن بشين ما عدا الموضحة فإنه يعتبر شينها على المشهور ، وهو مذهب المدونة وصرح " ح " بإخراجها فقال الضمير للجائفة والآمة والمنقلة والهاشمة والموضحة ، ومعناه أنه إذا حصل بسبب واحدة من هذه الجراحات شين غير الموضحة ، واختلف في اندراج شين الموضحة على ثلاثة أقوال ،

الأول : يندرج وهو ظاهر كلامه هنا ، وعزاه في التوضيح لأشهب وهو ظاهر إلحاقها ببقية أخواتها .

والثاني : أنه يزاد لأجل الشين ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، وعزاه في التوضيح لابن زرقون وهو مذهب المدونة ، قال فيها وموضحة الوجه والرأس إذا برئت على شين زيد في عقلها بقدر الشين .

والثالث : رواه ابن نافع عن مالك إن كان أمرا منكرا زيد له وإلا فلا . ا هـ . من التوضيح زروق في الموضحة إذا برئت بشين ثلاثة مشهورها لمالك وابن القاسم يزاد على ديتها بقدر شينها ، وبين شرط كون الديات المذكورة للجراحات المذكورة فقال :

( إن كن ) أي ما بعد الجائفة ( برأس أو لحي أعلى ) ولم يذكر محل الجائفة لوضوحه لأنها لا تكون إلا في البطن أو الظهر أو أحد الجنبين




الخدمات العلمية