الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن أوصى بمنفعة معين ، [ ص: 560 ] أو بما ليس فيها ، أو بعتق عبده بعد موته بشهر ، ولا يحمل الثلث قيمته ، خير الوارث بين أن يجيز ، أو يخلع ثلث الجميع ، [ ص: 561 - 564 ] وبنصيب ابنه ، أو مثله ، فبالجميع

التالي السابق


( وإن أوصى بمنفعة ) شيء ( معين ) كغلة عقاره سنين ولا يحملها ثلثه ( أو ) أوصى [ ص: 560 ] بما ليس فيها ) أي تركته كاشتروا عبدا لفلان ، ولم يحمله الثلث ( أو ) أوصى ( بعتق عبده ) فلان ( بعد موته بشهر ولا يحمل ذلك ) المذكور من منفعة المعين وما ليس فيها ، وعبده فلان ( الثلث ) لماله يوم التنفيذ ( خير ) بضم الخاء المعجمة وكسر المثناة مثقلا ( الوارث ) للموصي ( بين أن يجيز ) الوصية ( أو يخلع ثلث الجميع ) لمال الموصي للموصى له .

" ق " ، أما إذا أوصى بمنفعة معين ففيها من أوصى بخدمة عبده سنة أو سكنى داره سنة وليس له مال غير ما أوصى فيه ، أو له مال لا يخرج ما أوصى به من ثلثه خير الورثة في إجازة ذلك أو القطع بثلث الميت من كل شيء للموصى له . وفي الموطإ مالك رضي الله عنه من قال لفلان كذا وكذا من مال سماه يزيد على ثلثه ، فإن الوارث يخير في إعطاء أهل الوصايا وصاياهم وأخذه جميع مال الميت ، وفي إسلام ثلث مال الميت لهم بالغا ما بلغ . أبو عمر هذه مسألة تدعى بخلع الثلث ، وأما مسألة من أوصى بما ليس فيها فقد تقدم عند قوله أو بشاة ، وأما مسألة من أوصى بعتق عبده بعد موته بشهر ففيها إن قال أعتقوا عبدي بعد موتي بشهر ، أو قال هو حر بعد موتي بشهر ، فإن لم يحمله الثلث خير الورثة بين أن يجيزوا أو يعتقوا الآن منه محمل الثلث بتلا ، فإن أجازوا الوصية خدمهم تمام الشهر ثم خرج جميعه حرا .

( تنبيهات )

الأول : طفي قوله ولا يحمل ذلك الثلث أي ذا المنفعة لا المنفعة نفسها ، ففيها ومن أوصى بخدمة عبده أو سكنى داره سنة جعل الثلث قيمة الرقاب ، فإن حملها نفذت الوصية وإن لم يحمل ذلك خير الورثة في إجازة ذلك أو القطع للموصى له بثلث الميت من كل شيء بتلا ، زاد في الأمهات لأني إذا قومت الخدمة والسكنى حبست العبد والدار عن أربابهما [ ص: 561 ] وهم قد يحتاجون إلى بيعهما . ابن رشد من حق الورثة إن لم يحمل الثلث رقبة العبد والدار أن لا يجيزوا الوصية ، وأن يقطعوا للموصى له بالخدمة أو السكنى الثلث من جميع ما ترك ، وإن كان الثلث يحمل قيمة الخدمة والسكنى ; إذ قد يموتون قبل أن ترجع إليهم الرقبة فيكون الميت كأنه أوصى بالرقبة ولا يحملها الثلث ، وهذا معنى قول الإمام مالك " رضي الله عنه " في المدونة : لأني لو قومت الخدمة إلخ وإن لم يحمل الثلث قيمة الدار ، واحتيج للمحاصة مع الوصايا فلا تحاصص إلا بقيمة السكنى على غررها لأنها التي أوصى بها لا الرقبة .

الثاني : طفي ظاهره أن القيد بعدم حمل الثلث في جميع الصور المذكورة وليس كذلك إذ الصورة الثانية الحكم فيها ما ذكر ، وإن حمل الموصى به الثلث كما صرح به الشارح وغيره وهو ظاهر كلام ابن الحاجب ، وبه شرح ابن عبد السلام والمصنف . ابن عبد السلام ظاهر كلام المصنف أنه إذا أوصى بما ليس في تركته على أي حال كان عينا أو عروضا ، فإن الورثة يخيرون وجمع ذلك بعض الشيوخ مع ما إذا كان في التركة عين وأوصى بها أو ببعضها ولا يخرج من ثلث العين خاصة ، فقال : اختلف فيه على أربعة أقوال ، وقول مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما : تخيير الورثة على ما أشار إليه المصنف .

قلت : ما عزاه لبعض الشيوخ هو قولها إن أوصى من العين بأكثر من ثلثها وله عقار وعروض كثيرة ، فقال الورثة لا نسلم العين ونأخذ العروض ، فإما أعطوه ذلك وإلا قطعوا له ثلث ما ترك الميت من عين ودين وعرض وعقار وغيره ، فيحمل كلام ابن الحاجب والمصنف على هذا الفرض ، ويحمل قوله : ولا يحمل الثلث ذلك ، أي ثلث الموصى منه كالعين في الفرض المذكور ، فإن كانت التركة كلها عروضا حاضرة وأوصى بدنانير فقال ابن القاسم لا تخيير فيها ، ولا يخلع له الثلث ، بل تباع عروضه ويعطى الدنانير قاله في الجواهر ، ويعين حمل كلام المصنف وابن الحاجب على فرض المدونة كون الإيصاء بما ليس في التركة من الأشياء المعينات لا خلع فيه كما تقدم في قوله واشترى لفلان وأبى بخلا بطلت إلخ ، وألا تناقض مع هذا ، فإن ما تقدم يقتضي أن المطالب بشرائه الورثة من غير تخيير [ ص: 562 ] لا يقال ما تقدم فيما حمله الثلث ، بخلاف هذا لما علمت أن الإيصاء بما ليس فيها غير مقيد بعدم حمل الثلث ، لكن قول ابن الحاجب فيما ليس في التركة خير الورثة بين أن يحصلوه أو يقطعوا ثلث الجميع ينبو عن هذا الفرض ، والله أعلم .

الثالث : تت أشار بقوله منفعة معين إلى قصر ذلك على المنافع . ابن عبد السلام وهو المشهور ، وقيل : الحكم عام في الوصية بالأعيان والمنافع ، وهو الذي في ابن الحاجب وغيره .

طفي ظاهر كلامه أن المشهور عند ابن عبد السلام أنه لا يكون إلا في المنافع ، ولا يكون في الأعيان أصلا ، وأن الذي في ابن الحاجب وغيره مخالف للمشهور ، وليس كذلك فيهما ، وذلك أن ابن الحاجب تكلم على ما إذا كان مال التركة بعضه حاضرا وبعضه غائبا وتبع فيه المدونة وابن شاس ، ونصها ومن أوصى بوصايا وله مال حاضر ومال غائب ، ولا تخرج الوصايا مما حضر خير الورثة بين إخراجها مما حضر وإسلام الثلث في الحاضر والغائب لأهل الوصايا فيتحاصون فيه ، وكذلك إن أوصى لرجل بمائة دينار وهي لا تخرج من ثلث ما حضر خير الورثة بين تعجيلها مما حضر أو يقطعوا له بثلث الميت في الحاضر والغائب ا هـ .

وفي الجواهر : من أوصى بشيء بعينه من ماله عينا كان أو عرضا ، وله ديون وعروض وعقار وأموال غائبة ، والعين الموصى بها قدر ثلث جميع المال أو أقل بحيث تخرج الوصية من الجميع ، ولا تخرج مما حضر فقال الورثة لا نعطيه هذا لأنا لا نأمن أن يتلف رأس المال الغائب بعضه فيفوز بالعين دوننا فهم بالخيار بين أن يعطوه هذا الشيء بعينه أو يسلموا جميع ثلث مال الميت من حاضر وغائب ، وإن كان ذلك أكثر من قيمة العين الموصى بها ، واختصره ابن الحاجب فقال : ومن أوصى بمعين من مال حاضر وغائب أو بما ليس فيها مطلقا ، ولا يخرج مما حضر خير الورثة بين أن يجيزوا المعين ويحصلوا الآخر وبين أن يقطعوا ثلث الجميع على اختلافه وإن كان أضعافه أو دونه ا هـ .

وقوله مطلقا سواء حمله ثلث الحاضر أم لا . ابن عبد السلام والمصنف قوله لا يخرج [ ص: 563 ] مما حضر هو قيد فيما هو في التركة ، فأنت ترى ابن الحاجب فرضها في التركة الغائب بعضها تبعا للمدونة ، وهذا مسلم له لم يتعقبه ابن عبد السلام ولا غيره ، وكيف وهو مذهب المدونة . وحكى الباجي الاتفاق عليه قاله الشارح ، فكيف يجعله تت مقابلا للمشهور وليس ذلك مراد ابن عبد السلام ، وإنما مراده قصر ذلك على المنافع لا يتعداه إلى العين الكائنة في التركة التي حضر جميعها ، قال : لما ذكر أن المشهور قصر ذلك على المنافع قال : أما إذا أوصى له بدار أو عبد وشبهه ، ولم يسعه الثلث فإن لم يكن ذلك الشيء في ملكه أعطى جميع ثلث الميت ، وإن كان ملكه ومن التركة أخذ محمل الثلث فيه ا هـ .

وإنما يؤخذ محمل الثلث من المعين إذا كان جميع التركة حاضرا ، ففيها عقب ما نقلناه عنها إثر قولها من عقار وغيره إلا في خصلة واحدة ، فإن الإمام مالكا " رضي الله عنه " اختلف فيها قوله فقال مرة : إذا أوصى له بعبد بعينه أو بدابة بعينها وضاق الثلث ، فإن لم يجز الورثة قطعوا له بالثلث من كل شيء ، وقال مرة بمبلغ ثلث جميع التركة في ذلك الشيء بعينه ، وهذا أحب إلي ا هـ . فهذا الذي أراد ابن عبد السلام ، واقتصر على ما قاله لأنه الذي قال به ابن القاسم ، وذكر الباجي أنه الذي رجع إليه الإمام مالك " رضي الله عنه " فالحاصل أن خلع الثلث يكون في المنافع ، وفي الذوات الموصى بها عينا كانت أو عرضا حاضرة أو غائبة إذا كان بعض التركة غائبا ، وفي العين الموصى بها إذا كانت أكثر من ثلثها ، وله عقار وعروض كثيرة ، وفي الوصية بدين ، وهذا كله في المدونة وبعضه متفق عليه وبعضه مشهور .

وفيها مسألة الدين ومن أوصى لرجل بدين لا يحمله الثلث ، وله عين حاضرة ، فإما أجاز الورثة ، وإلا قطعوا له بثلث العين والدين ا هـ . ويكون في الإيصاء بما ليس في التركة ، وقد علمت ما فيه ، وهذا كله مسلم ، وأما الإيصاء بشيء معين كعبد ودابة ودار ، فاختلف فيه قول الإمام مالك " رضي الله عنه " ، وقد علمته ، ويكون في العبد الموصى بعتقه بعد موته بكسنة كما ذكره المصنف ونص عليه فيها . هذا تلخيص المسألة وإنما أطلنا فيها لأني لم أجد من شراحه من حققها ، والله الموفق .

[ ص: 564 ] الرابع : أبو عمر هذه المسألة سماها أصحاب الإمام مالك " رضي الله عنه " مسألة خلع الثلث ، خالفهم فيها الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي وغيرهما " رضي الله تعالى عنهم " عنهم ، واحتجوا بأن الوصية تصح بالموت وقبول الموصى له بعده ، فكيف تجوز فيها المعاوضة بثلث لا يبلغ إلى معرفة حقيقته ولا تجوز المعاوضة بالمجهول ، وكيف يؤخذ من الموصى له ملكه بغير رضاه ، وحجة الإمام مالك " رضي الله عنه " أن الثلث موضع الوصايا ، فكان كما لو جنى عبد جناية فسيده مخير بين فدائه بالأرش وإسلامه ، والله أعلم .

( و ) إن أوصى لشخص ( بنصيب ابنه ) أي الموصي ( أو ) أوصى له ب ( مثله ) أي نصيب ابنه ، وله ابن واحد ، وأجاز الوصية ( ف ) تنفذ الوصية في الصورتين للموصى له ( بالجميع ) لمال الموصي ، وإن كان له ابنان وأجازاها فبالنصف ، وإن لم يجزها الواحد أو الاثنان نفذت بالثلث فيهما ، وإن كان له ثلاثة أبناء نفذت بالثلث أجازوا أو لا ، وفسر بعض الشارحين الجميع بجميع نصيب الابن ، فيشمل الواحد والمتعدد ومن انفرد عن أصحاب الفروض ومن اجتمع مع ذي فرض أو أكثر . ابن شاس إن قال : أوصيت بمثلي نصيب ابني أو بنصيب ابني وله ابن واحد فهي وصية بجميع المال ، فإن أجازها الابن وإلا نفذت في الثلث خاصة .

ابن عرفة فيها من أوصى بمثل نصاب أحد بنيه ، فإن كانوا ثلاثة فله الثلث . اللخمي من خلف ثلاثة بنين وأوصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه فله الثلث ، وأربعة له الربع وخمسة فله الخمس ، هذا قول الإمام مالك " رضي الله عنه " وقال ابن أبي أويس في ثمانية أبي زيد إن كانوا خمسة فله السدس .

الصقلي عن محمد إن أوصى بمثل نصيب أحد ولده ومعه من يرث من أم وزوجة وغيرهما عدل حتى يعرف حق الولد خاصة ، فإن كانوا ثمانية ذكورا أو ذكورا وإناثا فللموصى له ثمن ما يصير للولد خاصة ، وإن كانوا ثلاثة فله ثلثه ، وإن كانا اثنين فله نصفه وإن كان واحدا فله مثل ما يصير له إن حمله الثلث ثم يضم ما بقي إلى ما عزل لمن يرث الميت [ ص: 565 ] مع الولد فيقسم على فرائض الله عز وجل ، وإن كان ولده كلهم إناثا ، أعطى ثلث الثلثين ، وإن كن اثنتين أعطى نصف الثلثين ، وإن كانت واحدة أعطى نصف المال إن أجازه الورثة ، وإلا فله ثلث المال ، ثم يضم ما بقي لسائر مال الميت ويقسم بفرائض الله تعالى على البنات وسائر الورثة من عصبة وغيرهم . أصبغ هذا قول الإمام مالك وابن القاسم وأشهب " رضي الله عنهم " . ابن عبد الحكم هو أصح من قول الفراض إن أوصى بمثل نصيب أحد ولده وهم ثلاثة أعطى الربع ومع أربعة الخمس يزيدون سهما على عددهم .

ثم قال ابن عرفة ابن زرقون إن أوصى بمثل نصيب أحد بنيه وترك رجالا ونساء فأربعة أقوال أحدها أنه كرجل من ولده ، والثاني قول الإمام مالك " رضي الله عنه " في المدونة يقسم على عدد رءوسهم الذكر والأنثى سواء ، ويعطى حظ واحد منهم ثم يقسم نصيب ما بقي على فرائض الله تعالى ، وقيل : يزاد سهمه على السهام ، ويكون له . وقال ابن أبي زياد له نصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى . اللخمي هذا أحسن .




الخدمات العلمية