الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واقتص من موضحة ، أوضحت عظم الرأس والجبهة ، والخدين ; وإن كإبرة ، [ ص: 40 ] وسابقها من دامية ، وخارصة شقت الجلد ; وسمحاق كشطته ، وباضعة شقت اللحم ، ومتلاحمة غاصت فيه بتعدد ، وملطأة قربت للعظم : [ ص: 41 - 42 ] كضربة السوط

التالي السابق


( واقتص ) بضم الفوقية ( من موضحة ) بضم الميم وكسر الضاد المعجمة وهي ( ما ) أي جناية جنس يشمل غيرها أيضا ( أوضحت ) أي أظهرت ، وهذا أفضل مخرج الدامية والحارصة والسمحاق ( عظم الرأس ) وآخره منتهى الجمجمة ( و ) عظم ( الجبهة و ) عظم ( الخدين ) وهذا فصل مخرج ما عداها من الجراحات إن اتسع ما أظهرته من العظم ، بل ( وإن ) كان ( ك ) مغرز رأس ( إبرة ) البساطي إنما يظهر تعريف الموضحة بما ذكر باعتبار الدية ، وأما باعتبار القصاص فلا فرق بين هذه وغيرها من موضحة الجسد فمن حقه أن لا يذكر هذا التفسير هنا بل يقول أوضحت العظم ، وإنما يحسن تفسيرها بما ذكره في الديات كما فعل هناك .

عب جوابه أن ما أوضح عظم غير ما ذكر هنا لا يسمى موضحة عند الفقهاء فتفسير المصنف هنا إنما هو بيان لمعناها في الاصطلاح ، وإن كان فيها القصاص مطلقا ، ويدل له [ ص: 40 ] قول المدونة حد الموضحة ما أفضى إلى العظم ولو بقدر إبرة وعظم الرأس محلها ، وحد ذلك منتهى الجمجمة وموضحة الخد كالجبهة ا هـ .

( و ) اقتص من ( سابقها ) بقاف ، أي جراح سابق على الموضحة في الوجود وهي ستة ثلاثة متعلقة بالجلد وثلاثة متعلقة باللحم وبينها بقوله ( من دامية ) بإهمال الدال وكسر الميم فمثناة تحتية ، وتسمى دامعة بعين مهملة أيضا وهي التي تضعف الجلد حتى يرشح منه شيء كالدم من غير انشقاقه ( وحارصة ) بإهمال الحاء والصاد وتحذف الألف أيضا وهي التي ( شقت الجلد ) سواء وصلت نهايته أم لا ، وجعلها في التنبيهات مرادفة للدامية قاله تت ، وبحث فيه بأن التي لم تصل لنهايته لم تشقه ، وإنما شقت بعضه وبعبارة شقت الجلد وأفضت إلى اللحم ، وهي موافقة لظاهر المصنف ، فالمراد على هذا بالدامية ما شقت بعض الجلد ( وسمحاق ) بكسر السين المهملة وسكون الميم وإهمال الحاء ثم قاف وهي التي ( كشطته ) أي أزالت الجلد عن اللحم هذا معناها في اصطلاح الفقهاء وأما في اللغة ففي المصباح السمحاق بكسر السين القشرة الرقيقة فوق عظم الرأس إذا بلغتها الشجة سميت سمحاقا ، وقال الأزهري هي جلدة رقيقة فوق قحف الرأس إذا انتهت الشجة إليها سميت سمحاقا ، وكل جلدة رقيقة تشبهها تسمى سمحاقا أيضا

( وباضعة ) بموحدة وضاد . معجمة مكسورة وهي التي ( شقت اللحم ومتلاحمة ) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وهي التي ( غاصت فيه ) أي اللحم ( بتعدد ) أي يمينا وشمالا ولم تقرب للعظم فإن انتفى التعدد فباضعة قاله شب . ابن شاس المتلاحمة هي التي تغوص في اللحم عرضا بالغا وتقطعه في عدة مواضع . عياض هي التي أخذت في اللحم في غير موضع ( وملطاة ) بكسر الميم وسكون اللام وإهمال الطاء فهمز فهاء وعدمه والمد وعدمه وهي التي ( قربت للعظم ) وبقي بينهما ستر رقيق . [ ص: 41 ] ابن عرفة في الجراح ما قبل الهاشمة القود . عياض أولها الحارصة بحاء وصاد مهملين هي ما حرص الجلد أي شقه وهي الدامية لأنها تدمي ، والدامعة بعين مهملة لأن الدم يدمع منها ، وقيل الدامية أولا لأنها تخدش فتدمي ولا تشق الجلد ثم الحارصة لأنها شقت الجلد وقيل هي السمحاق لأنها جعلت الجلد كسماحيق السحاب ثم الدامعة لأن دمها كالدمع ثم الباضعة وهي التي أخذت في اللحم وبضعته وهي المتلاحمة . وقيل المتلاحمة بعد الباضعة لأنها أخذت في اللحم في غير موضع ثم الملطى بالقصر . ويقال ملطاة بالهاء وهي ما قرب من العظم وبينها وبينه قليل من اللحم . وقيل هي السمحاق ثم الموضحة وهي ما كشفت عن العظم ، وفيها حد الموضحة ما أفضى إلى العظم ولو بقدر إبرة وعظم الرأس محلها كل ناحية منه سواء ، وحد ذلك منتهى الجمجمة لا ما تحتها لأنه من العنق ، وموضحة الخد كالجبهة وليس الأنف واللحي الأسفل من الرأس في جراحهما لأنهما عظمان منفردان .

عياض ثم الهاشمة ما هشمت العظم ، ثم المنقلة ما كسرته فيفتقر لإخراج بعض عظامها لإصلاحها وتختص بالرأس ، ثم المأمومة وهي التي أفضت إلى أم الدماغ وتختص بالجوف الجائفة وهي ما أفضى إلى الجوف ولو بمدخل إبرة وفيها لابن القاسم رحمه الله تعالى لا قصاص في هاشمة الرأس لأني لا أجد هاشمة في الرأس إلا كانت منقلة . اللخمي اختلف في الهاشمة فقال ابن القاسم لا قود فيها . وقال أشهب يقاد منه موضحة إن لم ينقل . محمد الثاني هو الصواب إن كان بدء جرح الأول موضحة ثم تهشمت ، وإن كانت الضربة هشمتها فلا قود يريد إذا رضت اللحم وهشمت ما تحته من العظم ، أو كان ذلك بسيف أو سكين شقت اللحم وبلغت العظم ، ثم هشمته فله القود من موضحة لأن الجارح لو وقف لما بلغ العظم كانت موضحة وإن نقلت بعد الهشم ففيها دية المنقلة ، واختلف إذا أحب أن يستقيد من موضحة ، فقال أشهب ذلك له وابن القاسم لا ، وفيها لا قود في المنقلة . اللخمي روى القاضي فيها القود . قلت وحكاها ابن الجلاب وفيها مع غيرها لا قود في الجائفة والمأمومة . [ ص: 42 ] وشبه في القصاص فقال ( كضربة ) مكلف معصوما ب ( السوط ) ففيها القصاص ، وقيل كاللطمة في عدم القصاص ، وقول الشارح يعسر للفرق بينهما ، أجاب عنه البساطي بأن ضربة السوط تجرح بخلاف اللطمة ، بعضهم المشهور أن ضرب العصا لا يقتص منه أفاده تت . طفي انظر نسبة الجواب للبساطي ، مع أن الشارح ذكره ونظر فيه ، ونصه بعد قوله يعسر الفرق بينهما ، وما قيل أن ضربة السوط تستلزم الجرح فتدخل في قوله تعالى { والجروح قصاص } فيه نظر . ا هـ . وفي التوضيح الخلاف في السوط مبني على أنه يستلزم الجرح غالبا أو لا يستلزمه والشارح ليس أول من قال الفرق بينهما عسير ، بل سبقه المصنف في توضيحه ، ثم قال ما قدمناه عنه والبعض هو ابن عبد السلام




الخدمات العلمية