الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر الحث على لزوم الحلم عند الأذى

أنبأنا محمد بن الحسن بن قتيبة ، حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي ، حدثنا ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حليم إلا ذو تجربة".

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : هذا الخبر في الضرب الذي ذكرت في كتاب فصول السنن بأن العرب تضيف الاسم إلى الشيء للقرب من التمام، وتنفي الاسم عن الشيء للنقص من الكمال، فلما كان الغالب على المرء أن لا يكون حليما حتى يكون ذا عثرة نفى النبي - صلى الله عليه وسلم - اسم الحليم عمن لم يكن بذي عثرة لنقصه عن الكمال.

فالحليم عظيم الشأن، رفيع المكان، محمود الأمر، مرضي الفعل. والحلم: اسم يقع على زم النفس عن الخروج عند الورود عليها ضد ما تحب إلى ما نهي عنه.

فالحلم يشتمل على المعرفة، والصبر، والأناة، والتثبت، ولم يقرن شيء إلى شيء أحسن من عفو إلى مقدرة.

والحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام.

ولقد حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ببغداد، حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا الحسن بن واقع، عن ضمرة، قال: "الحلم أرفع من العقل؛ لأن الله - تبارك وتعالى - تسمى به".

[ ص: 209 ] وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي:


ألم تر أن الحلم زين مسود لصاحبه والجهل للمرء شائن     فكن دافنا للشر بالخير تسترح
من الهم إن الخير للشر دافن



وأنشدني محمد بن إسحاق بن حبيب الواسطي:


إذا شئت يوما أن تسود عشيرة     فبالحلم سد لا بالتسرع والشتم
وللحلم خير - فاعلمن - مغبة     من الجهل، إلا أن تشرسن من الظلم



وأنشدني علي بن محمد البسامي:


فارض بما حم من قضاء     يصبك من ذلك الخيار
وعش حميدا رخي بال     ما زانك الحلم والوقار



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : إن من نفاسة اسم "الحلم" وارتفاع قدره أن الله - جل وعلا - تسمى به، ثم لم يسم بالحلم في كتابه أحدا إلا إبراهيم خليله، وإسحاق ذبيحه، حيث قال: ( إن إبراهيم لأواه حليم ) ، وقال: ( فبشرناه بغلام حليم ) .

ولو لم يكن في الحلم خصلة تحمد إلا ترك اكتساب المعاصي، والدخول في المواضع الدنسة لكان الواجب على العاقل أن لا يفارق الحلم ما وجد إلى استعماله سبيلا.

والحلم: سجية، أو تجربة، أو هما.

[ ص: 210 ] حدثنا أبو حمزة محمد بن عمر بن يوسف ، حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول: "لا حلم إلا بالتجربة".

وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري:


صاف الصديق بوده     وإذا دنا شبرا فزده
واحلم إذا نطق السفيه     فمن يرد جهلا يجده



التالي السابق


الخدمات العلمية