الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أخبرنا أبو يعلى ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا جرير ، عن برد ، عن سليمان بن موسى قال: قال أبو الدرداء " كفى بك ظالما أن لا تزال مخاصما، وكفى بك [ ص: 46 ] آثما أن لا تزال مماريا، وكفى بك كاذبا أن لا تزال محدثا، إلا حديثا في ذات الله تبارك وتعالى ".

أخبرنا محمد بن سعيد القزاز ، حدثنا معروف بن الحسن الكناني ، حدثنا كثير بن هشام عن عيسى بن إبراهيم ، عن سعيد بن أبي سعيد عن كعب قال " العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في السكوت ".

أخبرنا الحسن بن سفيان ، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا يحيى القطان عن شعبة قال " من الناس من عقله بفنائه، ومنهم من عقله معه، ومنهم من لا عقل له، فأما الذي عقله معه فالذي يبصر ما يخرج منه قبل أن يتكلم، وأما الذي عقله بفنائه فالذي يبصر ما يخرج بعد أن يتكلم، ومنهم من لا عقل له، فحدثت به عبد الرحمن بن مهدي بعد ما رجعنا من عند يحيى، فقال: هذه صفتنا، يعني الذي عقله بفنائه، واستحسن الكلام، وقال: لا ينبغي أن يكون هذا من كلام شعبة، لعله سمعه من غيره ".

وأنشدني البغدادي محمد بن عبد الله بن زنجي :


أنت من الصمت آمن الزلل ومن كثير الكلام في وجل     لا تقل القول ثم تتبعه
يا ليت ما كنت قلت لم أقل



سمعت محمد بن المسيب يقول: سمعت العباس بن الوليد بن زيد يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الأوزاعي يقول " ما بلي أحد في دينه ببلاء أضر عليه من طلاقة لسانه ".

سمعت محمد بن محمود النسائي يقول: سمعت أبا أحمد بن أبي قديد يقول: سمعت العباس بن عبد العظيم يقول: سمعت عارما يقول: سمعت خالد بن الحارث يقول " السكوت زين للعاقل، وشين للجاهل ".

قال أبو حاتم رضي الله عنه: لو لم يكن في الصمت خصلة تحمد، إلا تزين [ ص: 47 ] العاقل وتشين الجاهل به لكان الواجب على المرء أن لا يفارقه الصمت ما وجد إليه سبيلا، ومن أحب السلامة من الآثام فليقل ما يقبل منه، وليقل مما يقبل منه، لأنه لا يجترئ على الكلام الكثير إلا فائق أو مائق.

وقد ترك جماعة من أهل العلم حديث أقوام أكثروا الكلام فيما لا يليق بهم.

من ذلك: ما حدثنا به محمد بن الحسن بن مكرم بالبصرة حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا أمية بن خالد ، عن سعيد قال: قلت للحكم: ما لك لا تكتب عن زاذان؟ قال: كان كثير الكلام.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: لسان العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القول رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلا فلا، والجاهل قلبه في طرف لسانه، ما أتى على لسانه تكلم به، وما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. واللسان إذا صلح تبين ذلك على الأعضاء، وإذا فسد فكذلك.

أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الجنيد ، حدثنا عبد الوارث بن عبيد الله ، عن عبد الله أنبأنا سفيان عن رجل قال " إني لأكذب الكذبة فأعرفها في عملي ".

أنبأنا أبو عوانة يعقوب بن إبراهيم بن إسحاق ، حدثنا الفضل بن عبد الجبار ، حدثنا أبو إسحاق الطالقاني عن الوليد بن مسلم قال: قال الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير أنه قال " ما صلح منطق رجل إلا عرف ذلك في سائر عمله ".

قال أبو حاتم رضي الله عنه: والعاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يسأل ولا يقول إلا لمن يقبل، ولا يجيب إذا شوتم، ولا يجازي إذا أسمع; لأن الابتداء بالصمت وإن كان حسنا، فإن السكوت عند القبيح أحسن منه "

[ ص: 48 ] وأنشدني المنتصر بن بلال بن المنتصر الأنصاري :


الصمت عند القبيح يسمعه     صاحب صدق لكل مصطحب
فآثر الصمت ما استطعت، فقد     يؤثر قول الحكيم في الكتب
لو كان بعض الكلام من ورق     لكان جل السكوت من ذهب



التالي السابق


الخدمات العلمية