الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4602 4603 ص: وقالوا: إنما كان زوج بريرة عبدا، وذكروا في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا إسماعيل بن سالم ، قال: ثنا جرير بن عبد الحميد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت: "كان زوج بريرة عبدا، ولو كان حرا لم يخيرها رسول الله -عليه السلام-".

                                                حدثنا أحمد ، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا عبد العزيز بن محمد وابن أبي حازم ، عن هشام بن عروة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، -قال عبد العزيز: ، [ ص: 201 ] عن أبيه- قالا: عن عائشة: "أن النبي -عليه السلام- لما أعتقت بريرة خيرها، وكان زوجها عبدا". .

                                                قالوا: فهذه عائشة -رضي الله عنها- تخبر أن زوج بريرة كان عبدا، فهذا خلاف ما رويتموه عن الأسود، ثم قالت عائشة: لو كان حرا لم يخيرها رسول الله . -عليه السلام-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قال أهل المقالة الثانية: كان زوج بريرة عبدا؛ لأن عائشة أخبرت في حديثها أن زوجها كان عبدا؛ فهذا خلاف ما رواه الأسود بن يزيد النخعي ، عن عائشة أن زوجها كان حرا"

                                                وأيضا قالت عائشة: "لو كان زوجها حرا لم يخيرها رسول الله -عليه السلام-".

                                                وأخرجه من طريقين:

                                                الأول: عن أحمد بن داود المكي ، عن إسماعيل بن سالم الصائغ البغدادي شيخ مسلم ، عن جرير بن عبد الحميد ، عن هشام ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مسلم : عن أبي كريب ووكيع وزهير وإسحاق، جميعا عن جرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- ... إلى آخره نحوه.

                                                الثاني: عن أحمد بن داود المكي أيضا، عن يعقوب بن حميد بن كاسب شيخ ابن ماجه ، فيه مقال، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، روى له الجماعة، وعبد العزيز بن أبي حازم -واسمه سلمة بن دينار المدني- روى له الجماعة، كلاهما عن هشام بن عروة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم ، عن عائشة -رضي الله عنها-.

                                                وأخرجه مسلم : نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن سماك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن عائشة: "أنها اشترت بريرة من أناس من الأنصار واشترطوا الولاء، فقال رسول الله -عليه السلام-: الولاء لمن ولي النعمة، وخيرها رسول الله -عليه السلام- وكان زوجها عبدا".

                                                [ ص: 202 ] وأخرجه أبو داود : ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا حسين بن علي والوليد بن عقبة ، عن زائدة ، عن سماك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن عائشة: "أن بريرة خيرها رسول الله -عليه السلام- وكان زوجها عبدا".

                                                وأخرجه النسائي : أنا القاسم بن زكرياء بن دينار، نا حسين ، عن زائدة ، عن سماك ... إلى آخره نحو رواية مسلم .

                                                وقال البيهقي بعد أن روى حديث بريرة من طريق سفيان وأبي عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة: "أن زوج بريرة كان حرا". لفظ سفيان، هكذا أدرجه "وكان حرا" من قول الأسود، فإن أبا عوانة فصله، ولفظه: "أنها اشترت بريرة واشترط أهلها ولاءها، قالت: يا رسول الله إني اشتريتها لأعتقها، وإن أهلها يشترطون ولاءها، فقال: أعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق -أو لمن أعطى الثمن- فاشترتها فأعتقتها، قال: وخيرت فاختارت نفسها، فقالت: لو أعطيت كذا وكذا ما كنت معه. قال الأسود: وكان زوجها حرا".

                                                قال البخاري : قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس: "رأيته عبدا" [أصح] .

                                                وروى البيهقي الحديث أيضا من طريق ابن راهويه ، عن جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة: "أنها أرادت أن تشتري بريرة ... " فذكر الحديث، وفي آخره: قال الأسود: عن عائشة وفيه: "اشتريها فإنما الولاء لمن أعتق، وخيرها من زوجها، وكان زوجها حرا ... " الحديث.

                                                [ ص: 203 ] ثم قال : هكذا أدرجه أبو داود .

                                                ورواه البيهقي أيضا من حديث آدم عن شعبة نحوه. وفيه: قال الحكم: قال إبراهيم: "وكان زوجها حرا".

                                                ورواه عن حفص بن عمر ، عن شعبة، وفي آخره: قال الحكم: "وكان زوجها حرا".

                                                ثم قال: قال البخاري : قول الحكم مرسل، وقال ابن عباس: "رأيته عبدا".

                                                ثم قال البيهقي: وروى القاسم وعروة ومجاهد وعمرة ، عن عائشة: "أنه كان عبدا". قال إبراهيم بن أبي طالب : خالف الأسود الناس في قوله: "كان حرا".

                                                قلت: إذا كان في السند الأول من قول الأسود، وفي الثاني من قول إبراهيم أو الحكم وقد أدرجها في الحديث فقول البخاري في الأول: منقطع، وفي الثاني: مرسل، مخالف للاصطلاح ؛ إذ الكلام الموقوف على بعض الرواة لا يسمى منقطعا ولا مرسلا، وقد تابع منصورا الأعمش فرواه كذلك عن إبراهيم. هكذا أخرجه الطحاوي كما ذكر، وابن ماجه [ ص: 204 ] أيضا والترمذي وقال: حسن صحيح، وقول إبراهيم بن أبي طالب: خالف الأسود الناس غير مسلم، بل وافقه على ذلك القاسم وعروة في رواية، وابن المسيب .

                                                روى عبد الرزاق : عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن المسيب قال: "كان زوج بريرة حرا".

                                                وإذا اختلفت الآثار في زوجها وجب حملها على وجه لا يكون فيها تضاد، والحرية تعقب الرق، ولا ينعكس، فثبت أنه كان حرا عندما خيرت، عبدا قبله، ومن أخبر بعبوديته لم يعلم بحريته قبل ذلك.

                                                وقال ابن حزم ما ملخصه : أنه لا خلاف أن من شهد بالحرية يقدم على من شهد بالرق؛ لأن عنده زيادة علم، ثم لو لم يختلف أنه كان عبدا هل جاء في شيء من الآثار أنه -عليه السلام- إنما خيرها لأنه كان عبدا، وبين من يدعي أنه إنما خيرها لأنه كان حرا، وكان أسود، واسمه مغيث، فالحق أنه إنما خيرها لكونها أعتقت؛ فوجب تخيير كل معتقة.

                                                ولأنه روي في بعض الآثار أنه -عليه السلام- قال لها: "ملكت نفسك فاختاري" كذا في "التمهيد" .

                                                فكل من ملكت نفسها تختار، سواء كان زوجها حرا أو عبدا، ويأتي عن قريب ما قاله الطحاوي في وجه التوفيق بين هذه الأخبار، وقد أكثر الناس في معاني هذه الأحاديث المروية في قصة بريرة، وتخريج وجوهها؛ فلمحمد بن جرير الطبري في ذلك كتاب، ولمحمد بن خزيمة في ذلك كتاب، ولجماعة في ذلك أبواب، أكثر ذلك تكلف واستنباط واستخراجات محتملة وتأويلات ممكنة لا يقطع بصحتها.




                                                الخدمات العلمية