الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4651 ص: فكان من الحجة للآخرين في ذلك: أن هذا الكلام لم يقصد به إلى المعنى الذي ذكره هذا المخالف؛ وإنما قصد به إلى الأعمال التي يجب بها الثواب، ألا تراه يقول: "الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى" يريد: من الثواب؟ ثم قال: "فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله؛ فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها. فهجرته إلى ما هاجر إليه".

                                                فذلك لا يكون إلا جوابا لسؤال، كأن النبي -عليه السلام- سئل عما للمهاجر من عمله أي: من هجرته؟ فقال: "إنما الأعمال بالنية".

                                                [ ص: 270 ] حتى أتى على الكلام الذي في الحديث، وليس ذلك من أمر الإكراه على الطلاق والعتاق والرجعة والأيمان في شيء.

                                                فانتفى هذا الحديث أن يكون فيه حجة لأهل المقالة التي بدأنا بذكرها على أهل المقالة التي ثنينا بذكرها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية، وأراد به الجواب عن احتجاج أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه بحديث عمر بن الخطاب المذكور.

                                                تقريره: أن يقال: لا نسلم صحة الاحتجاج بهذا الحديث على عدم وقوع طلاق المكره وعتاقه، وعدم وجوب أيمانه، فإن الحديث ليس معناه على ما ذكره هؤلاء؛ وإنما معناه: الأعمال التي يجب بها الثواب بالنيات؛ لأن الحديث خرج مخرج الجواب، وذلك أنهم سألوا النبي -عليه السلام- عما للمهاجر في عمله؟ أي: هجرته؟ فأجاب لهم بقوله: "الأعمال بالنية" أي: ثواب الأعمال يحصل بالنية، حتى أن من كانت نيته في هجرته أن تكون لوجه الله تعالى، وابتغاء مرضاة رسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله يعني: فهجرته واقعة إلى الله فيجازيه على ذلك بأحسن الجزاء.

                                                ومن كانت هجرته لأجل تحصيل دنيا، أو لأجل امرأة يتزوجها، فهجرته واقعة إلى تلك الجهة وليس له ثواب، لأن الأعمال على مقدار النية وأصل ذلك: أنه جاء في رجل كان يخطب امرأة بمكة تسمى أم قيس، فهاجرت إلى المدينة، فتبعها الرجل رغبة في نكاحها، فقيل له: مهاجر أم قيس. أي: الذي هاجر لأجل أم قيس لا لله ولا لرسوله، فالنبي -عليه السلام- عرض بهذا القول توبيخا له على صنيعه، وتنبيها لغيره على الإعراض عن مثل ذلك، وليس في ذلك شيء من أمر الإكراه على الطلاق وغيره، فكيف يصح به الاستدلال على أن بالإكراه لا يقع الطلاق ونحوه؟!

                                                قوله: "التي بدأنا بذكرها" وهم أهل المقالة الأولى.

                                                قوله: "التي ثنينا" من التثنية، وأراد بهم أهل المقالة الثانية.




                                                الخدمات العلمية