الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4628 4629 [ ص: 233 ] ص: وقد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا ابن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، قال: حدثني ابن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه ، أنه قال لرسول الله -عليه السلام-: "إني أكون ببادية يقال لها: الوطأة، وإني بحمد الله أصلي بهم؛ فمرني بليلة في هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيه، قال: انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه فإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فافعل، وإن أحببت فكف، فكان إذا صلى صلاة العصر دخل المسجد ولا يخرج إلا لحاجة حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح كانت دابته بباب المسجد".

                                                ففي هذا الحديث أنه قد جعل لليلة ثلاث وعشرين في التحري ما لم يجعل لسائر السبع الأواخر، وقد حدثنا روح بن الفرج قال: ثنا أحمد بن صالح، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: أخبرني عبد العزيز بن بلال بن عبد الله ، عن أبيه بلال بن عبد الله ، عن عطية بن عبد الله ، عن أبيه عبد الله بن أنيس: "أنه سأل النبي -عليه السلام- عن ليلة القدر، فقال: إني رأيتها فأنسيتها فتحرها في النصف الآخر، ثم عاد فسأله، فقال: في ثلاث وعشرين تمضي من الشهر". .

                                                قال عبد العزيز: : وأخبرني أبي: "أن عبد الله بن أنيس كان يحيي ليلة ست عشرة إلى ليلة ثلاث وعشرين، ثم يقصر".

                                                ففي هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- أمره أن يتحراها في النصف الآخر من الشهر، ، ثم أمره بعد ذلك أن يتحراها ليلة ثلاث وعشرين، فقد رجع معنى هذا الحديث إلى معنى ما رويناه قبله عن عبد الله بن أنيس، وقد يجوز أن يكون رسول الله -عليه السلام- إنما أمر عبد الله بن أنيس بتحري ليلة القدر في الليلة التي ذكرنا، على أن تحريه ذلك إنما دله أنها تكون في تلك السنة كذلك لرؤياه التي رآها، وإن كانت قد تكون في غيرها من السنين بخلاف ذلك، فأما ما روي عنه في رؤياه التي كان رآها فيما قد ذكرناه عنه في حديث بسر بن سعيد ، عن عبد الله بن أنيس.

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذين الوجهين من حديث عبد الله بن أنيس -رضي الله عنه-، ووجه التوفيق بينهما ما روي عنه من غير هذين الوجهين، بيانه أن الذي أمر له في الحديث الأول:

                                                [ ص: 234 ] هو أن يتحرى ليلة ثلاث وعشرين، وفي الحديث الثاني: هو أن يتحرى في النصف الأخير، ثم لما أعاد السؤال أمر أن يتحراها ليلة ثلاث وعشرين، فاتفق معنى الحديثين بلا شك.

                                                وقوله: "وقد يجوز أن يكون رسول الله -عليه السلام- ... " إلى آخره. إشارة إلى وجه آخر من التوفيق، وبيان وجه التنصيص في أحاديث عبد الله بن أنيس على ليلة ثلاث وعشرين، بيانه: أنه -عليه السلام- إنما أمره بالتحري في ليلة ثلاث وعشرين؛ لدلالة تحريه -عليه السلام- في تلك السنة على أنها تكون فيها ليلة ثلاث وعشرين، وإن كان يجوز أن تكون في غير تلك السنة في غير تلك الليلة، وكان الدال على تحريه -عليه السلام- في تلك السنة هو رؤياه التي كان رآها -عليه السلام- وهو ما روي في حديث بسر بن سعيد ، عن عبد الله بن أنيس قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "رأيتني في ليلة القدر كأني أسجد في ماء وطين فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين".

                                                فأما الحديث الأول فرجاله ثقات.

                                                والوهبي هو أحمد بن خالد الكندي، شيخ البخاري في غير "الصحيح".

                                                وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق المدني .

                                                وابن عبد الله بن أنيس قد مر الكلام فيه عن قريب.

                                                وأخرجه الطبراني: ثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، ثنا عياش بن الوليد الرقام، ثنا عبد الأعلى، ثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن ابن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه أنه قال: "يا رسول الله، إنا نكون في باديتنا، وأنا بحمد الله أصلي بها، فأمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها في المسجد فأصلي فيه، فقال: انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها، وإن أحببت أن تستتم إلى آخر الشهر فافعل، وإن أحببت أن ترجع إلى أهلك بليل فاصنع".

                                                قوله: "يقال لها: الوطأة". وقع في "مسند أبي يعلى الموصلي" في روايته: "وهي من المدينة على بريد وأميال".

                                                [ ص: 235 ] وأما الحديث الثاني فرجاله ثقات أيضا، فأحمد بن صالح المصري الحافظ المبرز المعروف بابن الطبري شيخ البخاري وأبي داود .

                                                وابن أبي فديك هو هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك دينار الديلي المدني، روى له الجماعة.

                                                وعبد العزيز بن بلال بن عبد العزيز بن أنيس، ذكره البخاري في "تاريخه" وسكت عنه.

                                                وأبوه بلال بن عبد الله وثقه ابن حبان .

                                                وأخوه عطية بن عبد الله بن أنيس وثقه ابن حبان أيضا.

                                                وأخرجه الطبراني: ثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري، ثنا أحمد بن صالح، حدثني ابن أبي فديك، ثنا عبد العزيز بن بلال بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه بلال بن عبد الله ، عن عطية بن عبد الله ، عن أبيه عبد الله بن أنيس: "أنه سأل رسول الله -عليه السلام- عن ليلة القدر، فقال: رأيتها فأنسيتها، فتحرها في النصف الآخر، ثم عاد فسأله، فقال: في ثلاث وعشرين تمضي من الشهر. قال عبد العزيز: فأخبرتني أمي أن عبد الله بن أنيس كان يحيي ليلة ست عشرة إلى ليلة ثلاث وعشرين".

                                                قوله: "فأنسيتها" على صيغة المجهول.

                                                قوله: "فتحرها" أي فتحر ليلة القدر، وهو أمر من تحرى يتحرى.

                                                قوله: "قال عبد العزيز: وأخبرني أبي" هو عبد العزيز بن بلال المذكور، وفي رواية الطبراني كما ذكرناها "قال عبد العزيز: فأخبرتني أمي"، فلم أدر، أي النسختين صحيحة؟ والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية