الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5536 ص: فكان من الحجة عندنا على أهل هذه المقالة لأهل المقالتين الأوليين: أن ما ذكروا من قولهم لا يكونان متبايعين إلا بعد أن يتعاقد البيع، وهما قبل ذلك متساومان غير متبايعين، فذلك إغفال منهم لسعة اللغة، لأنه قد يحتمل أن يكونا سميا متبايعين لقربهما من التبايع، وإن لم يكونا تبايعا، وهذا موجود في اللغة، قد [ ص: 419 ] سمي إسحاق أو إسماعيل -عليهما السلام- ذبيحا؛ لقربه من الذبح وإن لم يكن ذبح، فكذلك يطلق على المتساومين اسم المتبايعين إذا قربا من البيع وإن لم يكونا تبايعا، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يسوم الرجل على سوم أخيه، وقال: لا يبيع الرجل على بيع أخيه" ومعناهما واحد، فلما سمى رسول الله -عليه السلام- المساوم الذي قرب من البيع متبايعا، وإن كان ذلك قبل عقده البيع، احتمل أيضا أن يكون كذلك المتساومان سماهما متبايعين لقربهما من البيع، وإن لم يكونا عقدا عقدة البيع، فهذه معارضة صحيحة.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عن ما قاله أهل المقالة الثالثة، من قولهم: الخبر أطلق ذكر المتبايعين فقال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ... " إلى آخره، تقريره أن يقال: إن الذي ذكروه من أن المتبايعين قبل أن يتعاقدا البيع متساومان مسلم، وأنه وإن دل على مدعاكم؛ ولكن عندنا من الدليل على خلافه، وهو أن المتبايعين يحتمل أن يكونا سميا بذلك لقربهما من التبايع إن لم يكونا تبايعا حقيقة؛ لأن الشيء إذا قرب إلى الشيء يأخذ حكمه، ومثل هذا كثير في لغة العرب، ألا ترى أنه قد أطلق على إسحاق أو على إسماعيل -على اختلاف المفسرين فيه- ذبيح لا بكونه قد ذبح حقيقة، إنما أطلق عليه لكونه قد قرب من الذبح، فكذلك يكون إطلاق اسم المتبايعين على المتساومين لقربهما من البيع فيكونان متبايعين والدليل على ذلك إطلاق النبي -عليه السلام- على لفظ السوم لفظ البيع، حيث قال: "لا يسوم الرجل على سوم أخيه" وقال: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه" ومعناهما واحد، فلما أطلق رسول الله -عليه السلام- على المساوم الذي قد قرب من البيع وكان ذلك قبل عقده البيع، احتمل أيضا أن يكون كذلك المتساومان أطلق عليهما اسم المتبايعين لقربهما من البيع وإن لم يكونا عقدا عقد البيع فهذا الذي ذكرناه معارضة صحيحة.

                                                فإن قيل: قد قال ابن حزم: وأما قولهم كما سمي الذبيح ولم يذبح فما سماه الله تعالى قط ذبيحا، ولا صح قط ذلك عن رسول الله -عليه السلام- وإذا كان هكذا فإنما هو قول مطلق عامي لا حجة فيه، وإنما أطلق ذلك من أطلق مسامحة، أو لأنه حمل [ ص: 420 ] الخليل -عليه السلام- السكين على حلقه، وهذا فعل يسمى من فعاله ذبحا، وما نبالي عن هذه التسمية؛ لأنها لم تأت قط في قرآن ولا في سنة، فلا تقوم بها حجة.

                                                قلت: هذه مكابرة من ابن حزم وعدم معرفة بدلالات المعاني من الألفاظ؛ لأنا لم ندع أن الله تعالى سمي ذبيحا أو ثبت عن رسول الله -عليه السلام- أنه سمى ذبيحا، ولكن ضرب هذا تمثيلا لإطلاق اسم الشيء على الشيء باعتبار قربه منه، وهذا باب واسع شائع ذائع في العربية ولا ينكر إلا العامي وهو ناقص في كلامه فلم يفهمه؛ لأن قوله: "وإن أطلق ذلك ... " إلى آخره يؤيد ما ذكره من أن الشيء يطلق على الشيء باعتبار قربه منه، وإن لم يكن حقيقة ذلك الشيء. فافهم.




                                                الخدمات العلمية