الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5605 ص: فإن قال: فقد ذكر التوقيف في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- على خمسة أوسق، وفي ذكره ما ينفي أن يكون حكم ما هو أكثر من ذلك كحكمه.

                                                قيل له: ما فيه ما ينفي شيئا مما ذكرت، وإنما يكون ذلك كذلك لو قال رسول الله -عليه السلام-: لا تكون العرية إلا في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق، " . فأما إذا كان الحديث إنما فيه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق فذلك يحتمل أن يكون النبي -عليه السلام- رخص فيه لقوم في عرية لهم هذا [ ص: 512 ] مقدارها، فنقل أبو هريرة ذلك، وأخبر بالرخصة فيما كانت، ولا ينفي أن تكون تلك الرخصة جارية فيما هو أكثر من ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا السؤال وارد على تأويل أبي حنيفة، حيث لم يقدر بخمسة أوسق ولا بما دونها. وحديث أبي هريرة يرده؛ لأن فيه توقيفا على خمسة أوسق، وتنصيصه بذلك ينفي أن يكون حكم الأكثر من ذلك كحكم الخمسة أو ما دونها.

                                                وأيضا لو كانت العرية عطية -على ما ذكره- لما حددها وقصرها على خمسة أوسق، فقصره عليها يدل على أنها بيع رخص فيه واستثني من البيع المحرم الذي هو بيع الثمر بالتمر.

                                                وتقرير الجواب أن يقال: لا نسلم أن التحديد بالخمسة ينفي أن يكون ما هو أكثر خارجا عن حكم الخمسة، وإنما يلزم ذلك أن لو كان فيه شيء يدل على الحصر، نحو ما إذا قال: لا تكون العرية إلا في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق، وليس نظم الحديث كذلك وإنما هو أنه -عليه السلام- رخص فيها لقوم في عرية كانت عندهم هذا المقدار، فنقل الراوي ذلك كما كان عليه أهل القضية وذلك لا ينفي أن تكون الرخصة فيما هو أكثر من ذلك، ثم العجب أنهم يجعلون الخمسة تحديدا ويقصرون الحكم عليها، والحال أنها مشكوك فيها، والنهي عن المزابنة ثابت بيقين؛ فوجب أن لا يستثنى منها إلا الثابت بيقين، وهو أربعة أوسق، فافهم. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية