الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4603 4604 ص: واحتج أهل هذه المقالة في تثبيت ما رووه في زوج بريرة أنه كان عبدا: بما حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عثمان، قال: ثنا همام ، قال: ثنا قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: "أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا، ، فخيرها النبي -عليه السلام-، وأمرها أن تعتد". .

                                                حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم ، قال: أنا خالد ، عن ابن عباس قال: "لما خيرت بريرة، رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته، فكلم له العباس النبي -عليه السلام- أن يطلب إليها، فقال لها رسول الله -عليه السلام-: زوجك وأبو ولدك، فقالت: أتأمرني به يا رسول الله؟ [ ص: 206 ] فقال: إنما أنا شافع، قالت: إن كنت شافعا فلا حاجة لي فيه، واختارت نفسها، وكان يقال له: مغيث، ، وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم". .

                                                قالوا: فإنما خيرها رسول الله -عليه السلام- من أجل أن زوجها كان عبدا.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي واحتج أهل المقالة الثانية في تثبيت ما رووه في زوج بريرة أنه كان عبدا، يعني في تحقيق كونه عبدا بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- فإنه قال: إن زوج بريرة كان عبدا أسود، وكان يقال له: مغيث، وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم، فخير رسول الله -عليه السلام- بريرة وأمرها أن تعتد، وقالوا: إنما خير رسول الله -عليه السلام- بريرة لأجل كون زوجها عبدا.

                                                وأخرجه عن ابن عباس من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن علي بن عبد الرحمن ، عن عفان بن مسلم الصفار شيخ أحمد ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .

                                                وأخرجه البخاري مختصرا: ثنا أبو الوليد، ثنا شعبة وهمام ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: "رأيته عبدا -يعني زوج بريرة-".

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: "أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا، فخيرها -يعني النبي -عليه السلام- وأمرها أن تعتد".

                                                وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه.

                                                [ ص: 207 ] الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني شيخ مسلم وأبي داود .

                                                عن هشيم بن بشير ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .

                                                وأخرجه البخاري : نا محمد، أنا عبد الوهاب، نا خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: "أن زوج بريرة كان عبدا يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي -عليه السلام- لعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟! فقال النبي -عليه السلام-: لو راجعته، قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه".

                                                وأخرجه أبو داود : نا موسى بن إسماعيل، قال: نا حماد ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة [عن ابن عباس] : "أن مغيثا كان عبدا، فقال: يا رسول الله، اشفع إليها، فقال رسول الله -عليه السلام-: يا بريرة اتقي الله؛ فإنه زوجك وأبو ولدك، فقالت: يا رسول الله، تأمرني بذلك؟ قال: إنما أنا شافع، فكأن دموعه تسيل على خده، فقال رسول الله -عليه السلام-: ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها إياه".

                                                قوله: "يسمى مغيثا" هو بضم الميم، وكسر الغين المعجمة، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره ثاء مثلثة.

                                                قوله: "وأمرها أن تعتد"؛ لأنها باختيارها نفسها انقطع النكاح بينهما فعليها العدة، وقد ذكرنا أن الفرقة بينهما فسخ أو طلاق، وقال الكاساني في "البدائع": وإذا اختارت نفسها حتى وقعت الفرقة كانت فرقة بغير طلاق، فلا تفتقر هذه الفرقة إلى قضاء القاضي بخلاف الفرقة بخيار البلوغ.

                                                قوله: "ودموعه تسيل" جملة اسمية حالية.

                                                [ ص: 208 ] قوله: "زوجك" مبتدأ محذوف أي: بريرة، زوجك وأبو ولدك.




                                                الخدمات العلمية