الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5641 ص: قال أبو جعفر : -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن من اشترى طعاما لم يجز له بيعه حتى يقبضه، ومن اشترى غير الطعام حل له بيعه وإن لم يقبضه، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار، وقالوا: لما قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي إلى الطعام، دل ذلك أن حكم غير الطعام في ذلك بخلاف حكم الطعام.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء: عثمان البتي وسعيد بن المسيب ، والحسن والأوزاعي وإسحاق ومالكا في رواية وأحمد في قول، فإنهم قالوا: من اشترى طعاما لم يجز له بيعه حتى يقبضه، ومن اشترى غير الطعام حل له بيعه وإن لم يقبضه.

                                                وتحقيق الخلاف أن مذهب عثمان البتي: جواز بيع كل شيء قبل قبضه سواء كان طعاما أو غيره ومذهب غيره، ممن ذكرناهم على التفصيل المذكور، وهو مذهب الحكم بن عتيبة وحماد أيضا، ويروى مثل هذا عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.

                                                وقال ابن قدامة في "المغني": ومن اشترى ما يحتاج إلى قبض لم يجز بيعه حتى يقبضه، ولا أرى بين أهل العلم في هذا خلافا، إلا ما حكي عن عثمان البتي، أنه قال: لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه.

                                                قال ابن عبد البر: هذا قول مردود بالسنة، وأما غير ذلك فيجوز بيعه قبل قبضه -في أظهر الروايتين- ونحوه قول مالك وابن المنذر .

                                                وقال القاضي عياض في "شرح مسلم": اختلف الناس في جواز بيع المشتريات قبل قبضها، فمنعه الشافعي في كل شيء، وانفرد عثمان البتي فأجازه في كل شيء، ومنعه أبو حنيفة -رحمه الله- في كل شيء إلا العقار وما لا ينقل، ومنعه آخرون في سائر المكيلات والموزونات، ومنعه مالك في سائر المكيلات والموزونات إذا كانت طعاما.

                                                وقال أيضا: اختلف العلماء فيما بيع من الطعام جزافا هل هو مثل ما بيع على الكيل أو العد والوزن، يجوز بيعه قبل استيفائه ونقله أم لا؟ فمشهور [ ص: 544 ] مذهب مالك جوازه؛ لأنه بتمام العقد صار في ضمان البائع، فخرج من النهي عن ربح ما لم يضمن، وبجوازه قال عثمان وسعيد بن المسيب والحسن والحكم والأوزاعي وإسحاق .

                                                وذهب الكوفيون والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود إلى منعه.

                                                وقد بقي من الخلاف في أصل المسألة ما روي عن مالك: أن ذلك يختص فيما لا يجوز فيه التفاضل والطعام، رواه عنه ابن وهب، وإن كان قد ذكر غير واحد أن العلماء لم يختلفوا في منع ذلك في جميع الطعام، والمشهور عن مالك عمومه في جميع المطعومات، وهو قول أبي ثور وأحمد، في كل ما يقع عليه اسم مطعوم، وذهب الشافعي إلى عموم ذلك في أنواع المبيعات، ووافقه أبو حنيفة واستثني العقار وحده.

                                                وقال آخرون: كل بيع على الكيل أو الوزن طعاما أو غيره، فلا يباع حتى يقبض.




                                                الخدمات العلمية