الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            10220 وعن عروة بن الزبير قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثا إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان ، واستعمل عليهم زيد بن حارثة ، فقال لهم : " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس " .

                                                                                            فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج وهم ثلاثة آلاف فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلموا عليهم ، فلما ودع عبد الله بن رواحة مع من ودع بكى ، فقيل له : ما يبكيك يا ابن رواحة ؟ فقال : والله ما بي حب الدنيا وصبابة ، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؟ ! ؟ .

                                                                                            فقال لهم المسلمون : صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين ، فقال عبد الله بن رواحة :

                                                                                            لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فزع تقذف الزبدا     أو طعنة بيدي حران مجهزة
                                                                                            بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا     حتى يقولوا إذا مروا على جدثي
                                                                                            أرشده الله من غاز وقد رشدا

                                                                                            [ ص: 158 ] ثم إن القوم تهيئوا للخروج ، فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يودعه فقال : يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا إني تفرست فيك الخير نافلة فراسة خالفتهم في الذي نظروا أنت الرسول فمن يحرم نوافله والوجه منه فقد أزرى به القدر .

                                                                                            ثم خرج القوم وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشيعهم حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم ، قال عبد الله بن رواحة : خلف السلام على امرئ ودعته في النخل غير مودع وكليل ثم مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام ، فبلغهم أن هرقل قد نزل في مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وقد اجتمعت إليه المستعربة من لخم وجذام وبلقين وبهرام وبلي في مائة ألف ، عليهم رجل يلي أخذ رايتهم يقال له : مالك بن زانة .

                                                                                            فلما بلغ ذلك المسلمين قاموا بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم ، وقالوا : نكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له .

                                                                                            فشجع عبد الله بن رواحة الناس وقال : يا قوم ، والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين : إما ظهور ، وإما شهادة .

                                                                                            قال عبد الله بن رواحة في مقامهم ذلك ، قال ابن إسحاق كما حدثني عبد الله بن أبي بكر : أنه حدث عن زيد بن أرقم ، قال : كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره ، فخرج في سفرته تلك مردفي على حقيبة راحلته ، ووالله إنا لنسبر ليلة إذ سمعته يتمثل ببيته هذا : إذا أديتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء فلما سمعته منه بكيت ، فخفقني بالدرة وقال : ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة ، وترجع من شعبتي الرحل .

                                                                                            ومضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها : مشارق ، ثم دنا المسلمون ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة ، فالتقى [ ص: 159 ] الناس عندها .

                                                                                            وتعبأ المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له : قطبة بن قتادة ، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له : عبادة بن مالك ، ثم التقى الناس واقتتلوا ، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شاط في رماح القوم ، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى إذا ألجمه القتال ، اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، فقاتل القوم حتى قتل .

                                                                                            وكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام
                                                                                            . رواه الطبراني ، ورجاله ثقات إلى عروة .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية