الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            10379 - وعن معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أصبهان الرأس ، وفارس وأذربيجان الجناحان ، فإن قطعت أحد الجناحين ثار الرأس بالجناح الآخر ، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان فابدأ بالرأس .

                                                                                            فدخل عمر المسجد فإذا هو بالنعمان بن مقرن المزني يصلي فانتظره حتى قضى صلاته ، فقال : إني مستعملك ، فقال : أما جابيا فلا ، وأما غازيا فنعم ، قال : فإنك غاز .

                                                                                            فسرحهم وبعث إلى أهل الكوفة أن يمدوه ويلحقوا به فيهم حذيفة بن اليمان ، والمغيرة بن شعبة ، والزبير بن العوام ، والأشعث ، وعمرو بن معدي كرب ، وعبد الله بن عمرو ، فأتاهم النعمان ، وبينه وبينهم نهر .

                                                                                            فبعث إليهم المغيرة بن شعبة رسولا ، وملكهم ذو الجناحين فاستشار أصحابه ، فقال : ما ترون أجلس له في هيئة الحرب أو في هيئة الملك وبهجته ؟ فقالوا : اقعد له في هيئة الملك وبهجته . فجلس له على هيئة الملك وبهجته على سرير [ ص: 216 ] ووضع التاج على رأسه ، وحوله سماطان عليهم ثياب الديباج والقرطة والأسورة ، فأخذ المغيرة بن شعبة يضع بصره ، وبيده الرمح والترس ، والناس حوله على سماطين على بساط له ، فجعل يطعنه برمحه يخرقه لكي يتطيرون . فقال له ذو الجناحين : إنكم معشر العرب أصابكم جوع شديد ، فإذا شئتم مرناكم ، ورجعتم إلى بلادكم ؟ فتكلم المغيرة بن شعبة ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنا كنا معشر العرب نأكل الجيف والميتة ، وكان الناس يطئونا ولا نطؤهم ، فابتعث الله إلينا رسولا في شرف منا ، أوسطنا حسبا ، وأصدقنا حديثا ، وإنه وعدنا أنا هاهنا سيفتح علينا ، فقد وجدنا جميع ما وعدنا حقا ، وإني أرى هنا بزة وهيئة ما أرى أن من بعدي بذاهبين حتى يأخذوه .

                                                                                            قال المغيرة : فقالت لي نفسي : لو جمعت جراميزك ، فوثبت وثبة فجلست معه على السرير ، فزجروه ووطئوه ، فقلت : أرأيتم إن كنت أنا استحمقت ، فإن هذا لا يفعل بالرسل ، ولا نفعل هذا برسلكم إذا أتونا .

                                                                                            فقال : إن شئتم قطعنا إليكم ، وإن شئتم قطعتم إلينا ؟ فقلت : بل نقطع إليكم ، فقطعنا إليهم فصاففناهم ، فسلسلوا كل سبعة في سلسلة ، وكل خمسة في سلسلة ; لئلا يفروا .

                                                                                            قال : فرامونا حتى أسرعوا فينا ، فقال المغيرة للنعمان : إن القوم أسرعوا فينا فاحمل ، قال : إنك ذو مناقب ، وقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم نقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس ، وتهب الرياح ، وينزل النصر .

                                                                                            فقال النعمان : يا أيها الناس ، اهتزوا ، فأما الهزة الأولى فليقض الرجل حاجته ، وأما الثانية فلينظر الرجل في سلاحه وشسعه ، وأما الثالثة فإني حامل فاحملوا ، وإن قتل أحد فلا يلوي أحد على أحد ، وإن قتلت فلا تلووا علي ، وإني داعي الله بدعوتي فعزمت على كل امرئ منكم لما أمن عليها ، فقال : اللهم ارزق النعمان اليوم شهادة بنصر المسلمين ، وافتح عليهم ، فأمن القوم .

                                                                                            وهز لواءه ثلاث مرات ، ثم حمل ، وكان أول صريع ، فمررت به فذكرت عزمته فلم ألو عليه ، وأعلمت مكانه ، فكان إذا قتلنا رجلا منهم شغل عنا أصحابه يجرونه ، ووقع ذو الجناحين من بغلة شهباء فانشق بطنه ، ففتح الله على المسلمين .

                                                                                            فأتيت مكان النعمان وبه رمق فأتيته ، فقلت : فتح الله عليهم ، فقال : الحمد [ ص: 217 ] لله ، اكتبوا بذلك إلى عمر ، وفاضت نفسه ، فاجتمعوا إلى الأشعث بن قيس ، قال : فأتينا أم ولده ، فقلنا : هل عهد إليك عهدا ؟ قالت : لا ، إلا سفطا فيه كتاب ، فقرأته فإذا فيه : إن قتل فلان ففلان ، وإن قتل فلان ففلان ، وإن قتل فلان ففلان .

                                                                                            قال حماد : فحدثنا علي بن زيد ، قال : حدثنا أبو عثمان النهدي أنه أتى عمر ، فسأل عن النعمان ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال : ما فعل فلان ؟ قلت : قتل يا أمير المؤمنين وآخرون لا نعرفهم ، قال : قلت : وأنا لا أعلمهم ، ولكن الله عز وجل يعلمهم .

                                                                                            قلت : في الصحيح طرف منه .

                                                                                            رواه الطبراني ، ورجاله من أوله إلى قوله : فحدثنا علي بن زيد . رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله المزني ، وهو ثقة .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية