الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - قالوا : لو كان الواجب واحدا ، من حيث هو أحدها بعينه ، مبهما - لوجب أن يكون المخير فيه واحدا لا بعينه من حيث هو أحدها . فإن تعددا - لزم التخيير بين واجب وغير واجب . وإن اتحدا - لزم اجتماع التخيير والوجوب .

            وأجيب بلزومه في الجنس وفي الخاطبين .

            والحق أن الذي وجب لم يخير فيه ، والمخير فيه لم يجب لعدم التعيين . والتعدد يأبى كون المتعلقين واحدا . كما لو حرم واحدا وأوجب واحدا .

            التالي السابق


            ش - هذا دليل آخر للمعتزلة على أن الواجب لا يكون واحدا من الأمور المتعددة من حيث هو واحد ، لا بعينه .

            [ ص: 350 ] وتقريره أن يقال : لو كان الواجب واحدا من حيث هو أحدها لا بعينه مبهما ، لوجب أن يكون المخير فيه واحدا لا بعينه من حيث هو أحدها . والتالي باطل فالمقدم مثله .

            أما الملازمة; فلأن الكلام في الواجب المخير [ فإذا كان الواجب المخير [ واحدا ، يكون المخير فيه واحدا .

            وأما بيان انتفاء التالي ; فلأنه على تقدير صدق التالي يلزم أحد الأمرين : إما التخيير بين واجب وغير واجب ، وإما اجتماع التخيير والوجوب . وكل واحد منهما منتف ، فيلزم انتفاء التالي .

            أما لزوم أحد الأمرين ; فلأن الواحد الذي هو الواجب لا يخلو إما أن يكون هو الواحد المخير فيه ، أو غيره .

            فإن كان الثاني ، يلزم أن يكون التخيير بين واجب وغير واجب ; ضرورة كون الواحد المخير فيه غير الواحد الذي هو الواجب .

            وإن كان الأول ، يلزم اجتماع التخيير والوجوب في شيء واحد .

            وأما بيان انتفاء الأمر الثاني ; فلأنه لو ثبت التخيير بين واجب وغير واجب [ جاز ] أن يختار المكلف غير الواجب ، وغير الواجب يجوز تركه ، فيجوز أن [ لا يأتي ] المكلف بواحد منهما .

            [ ص: 351 ] وأما بيان انتفاء الأمر الأول ; فلأن الوجوب ينافي التخيير ، ويمتنع اجتماع المتنافيين في شيء واحد .

            أجاب المصنف عنه بأن ما ذكرتم لازم عليكم في صورة الأمر باعتناق واحد من جنس أرقائه .

            وفي صورة تزويج البكر البالغة الطالبة للنكاح من أحد الخاطبين الكفوين . فإن الواجب إعتاق واحد لا بعينه ، وتزويجها من أحدهما لا بعينه .

            وكل ما يكون جوابا عن هاتين الصورتين فهو الجواب عن صورة النزاع . ولما كان هذا المنع إلزاميا لم يقتنع به وأشار إلى ما هو الحق .

            فقال : والحق أن الواجب والمخير ليسا بواحد ; فإن الذي وجب غير متعين ; لأنه واحد من الثلاثة من حيث هو واحد لا بعينه . وهو أمر كلي مشترك بينهما ، وهو غير مخير فيه . والمخير فيه معين ; لأن المخير فيه هو [ كل ] واحد من الثلاثة على التعيين ، وهو غير واجب .

            هذا على تقدير أن يجعل قوله : " لعدم التعيين " متعلقا بقوله : " الذي وجب " .

            وأما على تقدير أن يكون متعلقا بقوله : " والمخير فيه " فيمكن توجيهه على [ تعدد ] وهو أن يقال : الذي وجب متعين من حيث [ ص: 352 ] هو واحد ، لا تعدد فيه . والمخير فيه لا يكون معينا من حيث هو متعدد .

            قوله : " والتعدد " إشارة إلى دليل آخر على أن الواجب والمخير فيه لا يتحدان .

            وتوجيهه أن الوجوب والتخيير يتعددان . وتعدد المتعلقين يأبى أن يكون المتعلقان ، أي الواجب والمخير فيه واحدا . كما لو حرم الشارع واحدا ، وأوجب آخر . فإن تعدد الوجوب والحرمة يأبى أن يكون متعلقاهما - أي الواجب والحرام - واحدا . وإذا كان الواجب غير المخير فيه ، لم يجب أن يكون المخير فيه واحدا لا بعينه على تقدير أن يكون الواجب واحدا لا بعينه .

            ولا يلزم من تعدد المخير فيه والواجب ، التخيير بين واجب وغير واجب ; لأن التخيير لا يكون بين الواجب الذي هو أحدها لا بعينه ، وبين غيره ، بل التخيير بين كل واحد من الثلاثة على التعيين ، وكل واحد منهما على التعيين غير واجب .




            الخدمات العلمية