الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ( مسألة ) : المندوب مأمور به . خلافا للكرخي والرازي .

            لنا أنه طاعة . وأنهم قسموا الأمر إلى إيجاب وندب . [ ص: 393 ] قالوا : لو كان - لكان تركه معصية ; لأنها مخالفة الأمر ، ولما صح : " لأمرتهم بالسواك " . قلنا : المعنى أمر الإيجاب فيهما .

            التالي السابق


            ش - لما فرغ من المسألتين المتعلقتين بالحرام ، شرع في أحكام المندوب وذكرها في مسألتين . المندوب لغة : المدعو لمهم ، من الندب وهو الدعاء . وفي الشرع : الفعل الذي تعلق به الندب .

            واختلفوا في كون المندوب مأمورا به . فذهب الكرخي وأبو بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة إلى أنه غير مأمور به ، والباقون إلى أنه مأمور به ، وهو المختار عند المصنف ، وبين كونه مأمورا به بوجهين : [ ص: 394 ] أحدهما : أن المندوب طاعة ، وكل ما هو طاعة فهو مأمور به ، فالمندوب مأمور به .

            أما الصغرى فبالإجماع . وأما الكبرى فلأن الطاعة تقابل المعصية ، والمعصية : مخالفة الأمر ، فالطاعة امتثال الأمر ; ولهذا يقال فلان مطاع الأمر فيكون مأمورا به .

            الثاني أن الأمر ينقسم إلى أمر إيجاب وإلى أمر ندب . ومورد القسمة مشترك بين القسمين بالضرورة . وإذا كان كذلك يكون المندوب مأمورا به .

            ولقائل أن يقول على الأول : إن أردتم بالطاعة : ما يتوقع الثواب على فعله ، فالصغرى مسلمة ، والكبرى ممنوعة; لأن الطاعة بهذا المعنى لا تقابل المعصية ; لأن تاركه لا يستحق الذم .

            وإن أردتم بالطاعة فعل المأمور به ، فالكبرى مسلمة ، لكن الصغرى ممنوعة ; لأنه حينئذ يكون مصادرة على المطلوب .

            وعلى الثاني أن المختار أن الأمر بالحقيقة للوجوب . فإذا أطلق على الندب [ كان ] مجازا . ونحن نمنع إطلاق المأمور به على المندوب بالحقيقة ، ونسلم إطلاقه عليه بالمجاز .

            قال الكرخي والرازي ومن يحذو حذوهما : إن المندوب لا يكون مأمورا به لوجهين : [ ص: 395 ] أحدهما : أن المندوب لو كان مأمورا به لكان تركه معصية ; لأن المعصية : مخالفة الأمر ; لقوله تعالى : أفعصيت أمري لا يعصون الله ما أمرهم .

            والتالي باطل وإلا لاستحق النار ; لقوله تعالى : ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم ، فيلزم بطلان المقدم .

            الثاني : أنه لو كان المندوب مأمورا به ، لما صح قوله - عليه السلام - : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " والتالي ظاهر الفساد ، فيلزم بطلان المقدم .

            بيان الملازمة أن الحديث دل على سلب الأمر عن السواك ، فلو كان المندوب مأمورا به كان السواك - لكونه مندوبا بالاتفاق - مأمورا به ، فلا يكون سلب الأمر عنه صحيحا .

            أجاب المصنف عن الوجهين بأن الأمر : الذي يكون مخالفته معصية ، والأمر المسلوب عن السواك أمر الإيجاب ، لا مطلق الأمر .

            [ ص: 396 ] واعلم أن هذا البحث مبني على أن الأمر للوجوب ، أو للقدر المشترك بين الوجوب والندب . فإن كان الأول يلزم أن [ لا ] يكون المندوب مأمورا به . وإن كان الثاني يكون مأمورا به .




            الخدمات العلمية