الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن أراد دخول مكة لزيارة أو تجارة ولم يكن حطابا لزمه الإحرام على قول ثم يتحلل بعمل عمرة أو حج .

التالي السابق


(ومن أراد دخول مكة لزيارة أو تجارة ولم يكن حطابا) وفي معناه الحشاش (لزمه الإحرام على قول ثم يتحلل بعمل عمرة أو حج) قال النووي في الروضة : ومن قصد مكة لا لنسك أستحب أن يحرم بحج أو عمرة وفي قول : يجب ألا يتكرر دخوله كحطاب وصياد وقال في شرح مسلم : وإذا دخل مكة أو حرمها لحاجة لا تتكرر من تجارة أو زيارة ونحوهما ففي وجوب الإحرام بحجة أو عمرة خلاف العلماء وهما قولان للشافعي أصحهما استحبابه والثاني وجوبه بشرط أن لا يدخل لقتال ولا خائفا من ظهوره وبروزه . . أهـ .

يعني أن الآفاقي إذا قصد دخولها لنسك يجب عليه الإحرام قولا واحدا ، وإذا قصدها لحاجة لا تتكرر كتجارة أو زيارة أو نحوهما فله في وجوب الإحرام عليه قولان ، وأصحهما استحبابه ، وإذا قصدها خائفا من القتال أو مريد القتال أو حاجة متكررة كاحتطاب واصطياد ، فلا يجب عليه الإحرام قولا واحدا ، أما في الحاجة المتكررة فللحرج ، وأما في الخوف من القتال فللضرورة ، وأما في القتال فلأنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر ، والمحرم يجب عليه كشف رأسه ، وأورد لدخوله صلى الله عليه وسلم بلا إحرام وجهين : الأول أنه كان خائفا من القتال متهيئا له ، واستشكل النووي هذا الوجه ؛ لأن مذهب الشافعي أن مكة فتحت صلحا ، وحينئذ فلا خوف ، ثم أجاب عنه بأنه صالح أبا سفيان ، وكان لا يأمن من غدر أهل مكة ، فدخلها صلحا وهو متأهب للقتال إن غدروا . والثاني : أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، هذا تقرير مذهب الشافعي رضي الله عنه . وقال أصحابنا : يجب الإحرام على من قصد دخول مكة مطلقا ، أي سواء أراد الحج أو العمرة أو حاجة أخرى متكررة كانت أو لا ، وسواء كان خائفا من القتال أو مريدا إياه ؛ لما أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن عباس مرفوعا : "لا يجاوز أحد الميقات إلا محرما " وأخرجه الشافعي موقوفا .

وأخرج إسحاق بن راهويه من وجه آخر عنه موقوفا أيضا ، والمرفوع سنده ضعيف ، والموقوف قوي ، ودخوله صلى الله عليه وسلم مكة بلا إحرام يوم الفتح كان مختصا بتلك الساعة ؛ لما روى الشيخان من حديث أبي شريج العدوي : "وإنما أذن لي ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس " أراد بالحرمة الدخول بلا إحرام ، لا الدخول للقتال ، فإنه جائز بالإجماع عند تغلب الكفار والبغاة ، والله أعلم .




الخدمات العلمية