الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن فضل عنه ما يؤدى عن بعضهم أدى عن بعضهم ، وأولاهم بالتقديم من كانت نفقته آكد وقد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة الولد على نفقة الزوجة ونفقتها ، على نفقة الخادم

التالي السابق


ثم قال المصنف رحمه الله: (وإن فضل عنه ما يؤدي عن بعضهم أدى عن بعضهم، وأولاهم بالتقديم من كانت نفقته آكد) قال في الروضة: لو فضل معه عما يجب عليه بعض صاع لزمه إخراجه على الأصح، ولو فضل صاع وهو يحتاج إلى إخراج فطرة نفسه وزوجته وأقاربه، فأوجه، أصحها: يلزمها تقديم فطرة نفسه، أي: لخبر مسلم: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل من أهلك شيء فلذي قرابتك. والثاني: يلزمه تقديم الزوجة، والثالث: يتخير إن شاء أخرجه عن نفسه وإن شاء عن غيره. فعلى هذا لو أراد توزيعه عليهم لم يجز على الأصح، والوجهان على قولنا: من وجد بعض صاع فقط لزمه إخراجه، فإن لم يلزمه لم يجز التوزيع بلا خلاف، ولو فضل صاع وله عبد صرفه عن نفسه، وهل يلزمه أن يبيع في فطرة العبد جزءا منه؟ فيه أوجه، أصحها: إن كان يحتاج إلى خدمته لم يلزمه وإلا لزمه، ولو فضل صاعان وفي نفقته أقارب، قدم منهم من يقدم نفقته، ومراتبهم وفاقا وخلافا موضعها في كتاب النفقات، فإن استووا فيتخير أو يسقط، وجهان؛ أصحهما: التخيير، ولو اجتمع مع الأقارب زوجة، فأوجه، أصحها: تقديم الزوجة، والذي أخرناه إلى كتاب النفقات هو أنه يقدم نفسه، ثم زوجته، ثم ولده الصغير، ثم الأب، ثم الأم، ثم الولد الكبير اهـ. سياق الروضة، وفي المنهاج وشرحه: ولو وجد بعض الصيعان قدم نفسه بخبر مسلم: ابدأ بنفسك ثم زوجته؛ لأن نفقتها آكد؛ لأنها معاوضة لا تسقط بمضي الزمان، ثم ولده الصغير؛ لأن نفقته ثابتة بالنص والإجماع؛ لأنه أعجز من بعده، ثم الأب وإن علا ولو من قبل الأم، ثم الأم لقوة خدمتها بالولادة، ثم الولد الكبير على الأرقاء؛ لأن الحر أشرف، وعلاقته لازمة بخلاف الملك، فإنه عارض ويقبل الزوال، ومحل ما ذكره في الكبير إذا كان لا كسب له، وهو زمن أو مجنون، فإن لم يكن كذلك فالأصح عدم وجوب نفقته، وهذا الترتيب ذكره أيضا في الشرح الكبير، والذي صححناه في باب النفقات تقديم الأم في النفقة على الأب، وفرق في المجموع بين البابين بأن النفقة لسد الخلة، والأم أكثر حاجة وأقل حيلة، والفطرة لتطهير المخرج عنه وشرفه، والأب أحق به؛ فإنه منسوب إليه ويشرف بشرفه، وأبطل الأسنوي الفرق بالولد الصغير، فإنه يقدم هنا على الأبوين، وهما أشرف منه، وأجاب الشهاب الرملي عن ذلك بأنهم إنما قدموا الولد الصغير؛ لأنه كجزء المخرج مع كونه أعجز من غيره، ثم الرقيق، وقال شيخ الإسلام زكريا: وينبغي أن يقدم منه أم الولد ثم المدبر ثم المعلق عنقه، فإن استوى اثنان في درجة كزوجتين وابنين تخير في استوائهما في الوجوب. (وقد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة الولد على نفقة الزوجة، ونفقة الزوجة على نفقة الخادم) ، قال العراقي: رواه أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة بسند صحيح وابن حبان والحاكم وصححه، ورواه النسائي وابن حبان أيضا بتقديم الزوجة على الولد، وسيأتي اهـ .

قلت: رواه النسائي من طريق ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ: قال رجل: يا رسول الله، عندي دينار، قال: تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجتك، قال: عندي آخر، فقال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر به. وهذا الذي قال فيه العراقي: وسيأتي، أي: في آخر هذا الكتاب، [ ص: 73 ] أي: كتاب الزكاة، والمفهوم كما تقدم من سياق الروضة إطباق أصحاب الشافعي على تقديم الزوجة كما في حديث النسائي؛ لأن نفقتها لا تسقط بمرور الزمان ولا بالإعسار، ولأنها وجبت عوضا عن التمكين، والله أعلم .




الخدمات العلمية