الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال صلى الله عليه وسلم أدوا صدقة الفطر عمن تمونون

التالي السابق


ثم الذين أوجبوها على الزوج بالقياس على النفقة تمسكوا واستأنسوا بالحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدو صدقة الفطر عمن تمونون) هكذا أورده الرافعي في شرح الوجيز، وهو ملفق من حديثين أوله من حديث ثعلبة بن صعير الماضي ذكره، ولفظه: أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر، وقد ذكرهما فيما سبق، أخرجه عبد الرازق وأبو داود والطبراني والحاكم، وأخرجه من حديث ابن عمر: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون.

قال الحافظ في تخريج الرافعي: أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر اهـ .

وقال العراقي: رواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر، وقال البيهقي: إسناده غير قوي اهـ .

وأخرج ابن أبي شيبة عن حفص عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر نحوه، وزاد أن ابن عمر كان يعطيه عمن يعول ومماليك نسائه إلا مكاتبين كانا له، لم يكن يعطي عنهما، والضحاك بن عثمان وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن سعد: كان ثبتا، وقد أخرج له مسلم، وما ظهر لي معنى قول البيهقي: إسناده غير قوي، وقد أخرج ابن أبي شيبة أيضا عن وكيع عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء أنها كانت تعطي صدقة الفطر عمن تمون من أهلها، الشاهد والغائب، ثم قال الحافظ في التخريج المذكور على حديث ابن عمر السابق: ورواه الدارقطني من حديث علي وفيه ضعف، ورواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا اهـ .

وفي شرح التقريب: وعبر ابن حزم هنا بعبارة بشعة، فقال: وفي هذا المكان عجب عجيب، وهو أن الشافعي رحمه الله لا يقول بالمرسل، ثم أخذها هنا [بأنتن] مرسل في العالم من رواية ابن أبي يحيى اهـ .

قال الولي: ولم ينفرد به ابن أبي يحيى، فقد رواه غيره، وقد روي من حديث ابن عمر كما تقدم، ثم إن المعتمد القياس على النفقة مع ما انضم إلى ذلك من فعل راوي [ ص: 65 ] الحديث، ففي الصحيحين عنه أنه كان يعطي عن الصغير والكبير، قال نافع: حتى إن كان نبيا اهـ .

قلت: وأراد ابن حزم بابن أبي يحيى هو شيخ الشافعي إبراهيم بن محمد الأسلمي المدني، فإنه كان يعرف بابن أبي يحيى، كان الشافعي يوثقه، وكان أحمد يتحامل عليه، وتركه أبو داود وغيره. وقول الولي: لم ينفرد به ابن أبي يحيى، فقد رواه غيره، يشير إلى ما في السنن للبيهقي، ورواه حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل صغير أو كبير أو عبد ممن تمونون صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، عن كل إنسان، وفيه انقطاع .

وروى الثوري في الجامع عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبيه قال: من جرت عليه نفقتك نصف صاع بر أو صاع من تمر، وهذا موقوف، وعبد الأعلى ضعيف. اهـ .

قال النووي في شرح المهذب بعد أن ذكر من خرج هذا الحديث: فالحاصل أن هذه اللفظة: "ممن تمونون" ليست بثابتة، كذا نقله عنه الولي في شرح التقريب .

قلت: هي من طريق جعفر بن محمد بالوجهين متكلم فيه بالإرسال والانقطاع، وهو ظاهر، أما من طريق الضحاك عن نافع عن ابن عمر فلا وجه لإسقاطها لثقة رواتها كما أشرنا إلى ذلك، وقد عقد البيهقي على هذا الحديث باب إخراج الفطر عن نفسه وغيره ممن تلزمه مؤنته، وقال الشيخ علاء الدين علي بن عثمان من أصحابنا، وهو من شيوخ الحافظ العراقي، ما نصه: وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: على الذكر والأنثى. من حديث ابن عمر؛ دليل على سقوط صدقة الزوجة عن الزوج، ووجوبها عليها، فلا تسقط عنها إلا بدليل ولأنه يلزمها الإخراج عن عبيدها، فكان يلزمها عن نفسها أولى، ويلزم الشافعي رحمه الله الإخراج عن أجيره ورقيقه الكافر؛ لأنه يمونهما اهـ .



(تنبيه)

أورد أصحابنا هذا الحديث وجعلوه أصلا، واستدلوا به على أن سبب وجوب صدقة الفطر رأس يمونه ويلي عليه، ووجه الاستدلال: أن ما بعد "عن" يكون سببا عما قبلها، وكذا بعد "على" بعدما قامت الدلالة على أن المراد به معنى "عن" كقوله:


إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها

فاستفدنا منه أن هذه صدقة تجب على الإنسان بسبب هؤلاء، والقطع من جهة الشرع أنه لا يجب عمن لم يكن من هؤلاء في مؤنته وولايته؛ فإنه لا يجب على الإنسان بسبب عبد غيره وولده، وفي لفظ الدارقطني كما تقدم: ممن تمونون ولو مات صغيرا لله تعالى لا لولاية شرعية له عليه لم يجب أن يخرج عنه إجماعا، فلزم أنهم السبب؛ إذ كانوا بذلك الوصف، وقد يلزم على هذا الضابط تخلف الحكم عن السبب في الجد إذا كانت نوافله صغارا في عياله، فإنه لا يجب عليه الإخراج عنهم في ظاهر الرواية، ويدفع بادعاء انتفاء جزء السبب بسبب أن ولاية الجد متنقلة من الأب إليه، فكانت كولاية الوصي غير قوي؛ إذ الوصي لا يمونه إلا من ماله إذا كان له مال بخلاف الجد إذا لم يكن للصبي مال فكان كالأب، فلم يبق إلا مجرد انتقال الولاية، فلا أثر له كمشتري العبد ولا مخلص إلا بترجيح رواية الحسن عن أبي حنيفة أن على الجد صدقة فطرهم، وهذه مسائل يخالف فيها الجد الأب في ظاهر الرواية، ولا يخالفه في رواية الحسن هذه، والتبعية في الإسلام وجر الولاء والوصية لقرابة فلان نقله ابن الهمام.




الخدمات العلمية