الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الأول .

في فضل القرآن وأهله وذم المقصرين في تلاوته .

فضيلة القرآن .

قال صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن ، ثم رأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظمه الله تعالى .

وقال صلى الله عليه وسلم : ما من شفيع أفضل منزلة عند الله تعالى من القرآن لا نبي ولا ملك ولا غيره .

وقال صلى الله عليه وسلم : لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار .

وقال صلى الله عليه وسلم أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضا : إن الله عز وجل قرأ " طه ، ويس " قبل أن يخلق الخلق بألف عام ، فلما سمعت الملائكة القرآن ، قالت : طوبى لأمة ينزل عليهم هذا ، وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسنة تنطق بهذا .

وقال صلى الله عليه وسلم : خيركم من تعلم القرآن وعلمه .

وقال صلى الله عليه وسلم : يقول الله تبارك وتعالى : من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين .

وقال صلى الله عليه وسلم : ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود لا يهولهم فزع ، ولا ينالهم حساب حتى يفرغ ما بين الناس : رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله عز وجل ورجل أم ، به قوما وهم به راضون .

وقال صلى الله عليه وسلم أهل القرآن أهل الله وخاصته .

وقال صلى الله عليه وسلم : إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد فقيل : يا رسول الله وما جلاؤها فقال ؟ : تلاوة القرآن ، وذكر الموت .

وقال صلى الله عليه وسلم : لله أشد أذنا إلى قارئ القرآن من صاحب القينة إلى قينته .

التالي السابق


(الباب الأول في فضل القرآن وأهله وذم المقصرين في تلاوته) والغافلين .

(فضيلة القرآن )

(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن، ثم رأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظمه الله تعالى ) ، قال العراقي: رواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمر، وبسند ضعيف اهـ .

قلت: رواه في الكبير ورواه كذلك محمد بن نصر في كتاب قيام الليل، وأبو بكر بن أبي شيبة، لكنه موقوف على ابن عمرو ولفظهم جميعا: من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم ما صغر الله، وصغر ما عظم الله. الحديث، ورواه الخطيب كذلك عن ابن عمر، (وقال صلى الله عليه وسلم: ما من شفيع أفضل منزلة عند الله يوم القيامة من القرآن لا نبي ولا ملك ولا غيره ) ، قال العراقي: رواه عبد الملك بن حبيب من رواية سعيد بن سليم مرسلا .

وللطبراني من حديث ابن مسعود: والقرآن شافع ومشفع، ولمسلم من حديث أبي أمامة اقرؤوا القرآن فإنه يجيء يوم القيامة شفيعا لصاحبه، (وقال صلى الله عليه وسلم: لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار ) ، قال التوربشتي: إنما ضرب المثل بالإهاب وهو جلد لم يدبغ; لأن الفساد إليه أسرع، ولفح النار فيه أنفذ ليبسه، وجفافه بخلاف المدبوغ للينه، والمعنى لو قدر أن يكون في إهاب ما مسته النار ببركة مجاورته للقرآن، فكيف بمؤمن تولى حفظه والمواظبة عليه، والمراد نار الله الموقدة المميزة بين الحق والباطل اهـ .

وقال الطيبي: تحريره أن التمثيل وارد على المبالغة والفرض كما في قوله تعالى: قل لو كان البحر مدادا أي ينبغي ويحق أن القرآن لو كان في مثل هذا الشيء الحقير الذي لا يؤبه به ويلقى في النار ما مسته اهـ .

وقال المناوي: تحريره لو جاز حلول القرآن في محل، ثم حل الإهاب لم تمس الإهاب النار، وفائدة الخبر حفظ مواضع الشكوك من الناس عند احتراق مصحف، أو ما كتب فيه قرآن فيستعظمون إحراقه ويدخلهم الشك، والله أعلم .

قال العراقي: رواه الطبراني وابن حبان في الضعفاء من حديث سهل بن سعد ولأحمد والدارمي والطبراني نحوه من حديث عقبة بن عامر، وفيه ابن لهيعة ورواه ابن عدي [ ص: 464 ] والطبراني والبيهقي في الشعب من حديث عصمة بن مالك بإسناد ضعيف اهـ .

قلت لكن لفظ الطبراني من حديث عقبة وعصمة: ما أكلته النار، وفي رواية: ما أحرقته النار، وعند البيهقي عن عصمة بن مالك بلفظ: لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار اهـ. والإهاب بالكسر الجلد قبل أن يدبغ، وبعضهم يقول: الإهاب الجلد، وهذا الإطلاق مجمول على ما قيده الأكثر فإن قوله صلى الله عليه وسلم: " أيما إهاب دبغ" يدل عليه كما في المصباح، (وقال صلى الله عليه وسلم أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن ) ; لأنه أصل العلوم وأسها وأهمها فالاشتغال به أفضل من غيره من سائر الأذكار إلا ما ورد فيه نص خاص في وقت مخصوص، قال العراقي: رواه أبو نعيم في فضائل القرآن من حديث النعمان بن بشير وأنس بإسناد ضعيف اهـ .

قلت رواه البيهقي كذلك، ورواه ابن نافع عن أسيد، عن جابر التميمي، والسنجري في الإبانة، عن أنس بلفظ: أفضل العبادات قراءة القرآن، (وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قرأ "طه، ويس" قبل أن يخلق الخلق بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن، قالت: طوبى لأمة ينزل عليهم هذا، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسنة تنطق بهذا ) ، قال العراقي: رواه الدارمي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف اهـ .

قلت: وأخرجه كذلك ابن خزيمة في التوحيد، والعقيلي في الضعفاء، والطبراني في الأوسط، وابن عدي في الكامل، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب بلفظ: قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، وتتكلم بدل تنطق، والباقي سواء (وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) ، قال العراقي: رواه البخاري من حديث عثمان بن عفان اهـ .

قلت: ورواه كذلك الطيالسي وأحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه، وابن حبان كلهم من حديث عثمان، ورواه البخاري والترمذي عن علي بن أبي طالب، والخطيب عن عبد الله بن عمر، وابن مردويه في كتاب أولاد المحدثين، وابن النجار عن ابن مسعود، رواه ابن الضريس والبيهقي، عن عثمان بزيادة: وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وذلك لأنه منه، وعند الطبراني عن ابن مسعود: "خيركم من قرأ القرآن وأقرأه" ورواه البيهقي عن أبي أمامة بزيادة: إن لحامل القرآن دعوة مستجابة يدعو بها فيستجاب له، (وقال صلى الله عليه وسلم: يقول الله تبارك وتعالى: من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين ) ، قال العراقي: رواه الترمذي من حديث أبي سعيد: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وقال: حسن غريب، رواه ابن شاهين بلفظ المصنف اهـ .

قلت: رواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل، عن شهاب بن عباد، عن محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني، عن عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد، قال الترمذي: غريب، وفي بعض النسخ: حسن غريب، وقال الدارمي في سننه، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الترجمان، حدثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد فساقه مثل سياق الترمذي، وقال أبو نعيم: حدثنا محمد بن حميد، ثنا حامد بن شعيب، حدثنا الحسن بن حمدان، ثنا محمد بن الحسين بن أبي يزيد فساقه أيضا كسياق الترمذي والدارمي.

وقال الطبراني في الدعاء: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله الحضرمي قالا: حدثنا الحسن بن حمدان، حدثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد فساقه بلفظ: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي. .. والباقي سواء، وقال البزار: حدثنا محمد بن عمر الكردي وقال العقيلي في الضعفاء: حدثنا بشر بن موسى، قال ثنا الحسين بن عبد الأول بن محمد بن الحسن، وقال الدارقطني: تفرد به محمد بن الحسن، عن عمرو بن قيس، وكذا قاله البزار أيضا قال الحافظ ابن حجر هو وعطية ضعيفان إلا إنهم لا يخرجون لهما إلا في المتابعات، قال ابن عدي في محمد بن الحسن: مع ضعفه يكتب حديثه، هذا ما يتعلق بحديث الترمذي.

وقال الطبراني في الدعاء: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا عثمان بن زفر، ويحيى هو ابن عبد الحميد الحماني، وقال الطبراني أيضا: ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو نعيم ضرار بن صرد، قالوا: ثنا صفوان بن أبي الصهباء التيمي، عن بكير بن عتيق، عن سالم، عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: " إذا شغل [ ص: 465 ] عبدي ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".

ورواه البخاري هكذا في كتاب خلق أفعال العباد، فقال: حدثنا ضرار بن صرد، وقال في التاريخ: قال لي ضرار بن صرد فذكره، ورواه البراز عن رافع بن ابن سهل، عن عثمان بن زفر، ورواه العسكري في فضائل القرآن عن يوسف بن يعقوب الواسطي، ورواه ابن شاهين في الترغيب، عن البغوي كلاهما عن يحيى الحماني، ووقع في رواية ابن شاهين وحده بلفظ المصنف، والله أعلم .

(وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود لا يهولهم فزع، ولا ينالهم حساب حتى يفرغ مما بين الناس: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله تعالى، وأم به قوما هم به راضون الحديث) ، أي إلى آخر الحديث، وقد تقدم الكلام عليه في باب الإمامة من كتاب الصلاة، (وقال صلى الله عليه وسلم أهل القرآن) ، هم (أهل الله وخاصته) ، والمراد بأهل القرآن حفظته الملازمون له بالتلاوة العاملون بما فيه، أي أن هؤلاء هم أولياء الله وخاصته، أي المختصون به اختصاص أهل الإنسان به سموا بذلك تعظيما لهم كما يقال: بيت الله .

قال العراقي: رواه النسائي في الكبرى، وابن ماجه، والحاكم من حديث أنس بإسناد حسن اهـ .

قلت: وكذا أحمد، وأخرجه أبو القاسم بن حيدر في مشيخته، عن علي بن أبي طالب، (وقال صلى الله عليه وسلم: إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد فقيل: يا رسول الله ما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن، وذكر الموت ) ، قال العراقي: رواه البيهقي في الشعب من حديث ابن عمر بسند ضعيف اهـ .

قلت: وفي المعجم الصغير للطبراني: وجلاؤها الاستغفار، (وقال صلى الله عليه وسلم: لله أشد أذنا) بالتحريك، أي استماعا وإصغاء وذلك عبارة عن الإكرام والإنعام (إلى قارئ القرآن من صاحب القينة إلى قينته) ، هي أمته المغنية، قال العراقي: رواه ابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وصححه من حديث فضالة بن عبيد اهـ .

قلت: رواه من طريق الأوزاعي عن إسماعيل بن عبد الله بن فضالة بن عبيد، عن فضالة بن عبيد، وقال الحاكم: على شرطهما، ورده الذهبي، فقال: بل منقطع، ورواه البيهقي كذلك بلفظ: الله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته، وفيه حل سماع الغناء من قينته ونحوها; لأن سماع الله لا يجوز أن يقاس على محرم، وخرج بقينته قينة غيره فلا ينبغي سماعها، بل يحرم إن خاف فتنة .




الخدمات العلمية