الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثانية : أن يشكر المعطي ويدعو له ويثني عليه ويكون شكره ودعاؤه بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة ولكنه طريق وصول نعمة الله سبحانه إليه وللطريق حق من حيث جعله الله طريقا وواسطة وذلك لا ينافي رؤية النعمة من الله سبحانه فقد قال صلى الله عليه وسلم : من لم يشكر الناس لم يشكر الله

التالي السابق


(الثانية: أن يشكر المعطي ويدعو له) بالخير (ويثني عليه) في حضوره وغيبته، يخصه بذلك شكرا لما أولاه، (ويكون شكره ودعاؤه بحيث لا يخرج عن كونه) جعل (واسطة) للبر وسببا للخير، (ولكنه طريق وصول نعمة الله إليه) ، والشكر له هو الدعاء له وحسن الثناء عليه، فيكون قول المصنف: ويدعو له ويثني عليه، بعد قوله: أن يشكر، من باب عطف التفسير، (وللطريق حق من حيث جعله الله طريقا وواسطة) في الظاهر، وذلك لا ينافي رؤية النعمة من الله سبحانه، فإن الآخذ إنما يأخذ ما يأخذه من يد الله، فهو في شهوده هذا غير مستريب، ولما كان ظهورها على يد هذا المعطي لزم شكره بحسب هذا الظهور، فلا تنافي بين الشهودين، (فقد قال صلى الله عليه وسلم: من لم يشكر الناس لم يشكر الله) فإن فيه إثبات حكم الوسائط واستعمال حسن الأدب في الإظهار والتخلق بأخلاق المنعم؛ لأنه أنعم عليهم، ثم شكر لهم كرما منه، فكذلك العبد الموقن يشهد يد مولاه في العطاء، فحمده ثم شكر المنفقين؛ إذ جعلهم مولاه سببا وظرفا لرزقه، فقد أمر المولى بشكر الناس، فمن لم يشكرهم لم يطعه في امتثال أمره، والشكر إنما يتم بمطاوعته، فمن لم يطعه لم يكن مؤديا شكره، وقد وجه البيضاوي في الحديث وجها آخر؛ فقال: لأن من لم يشكر الناس مع ما يرى من حرصهم على حب الثناء على الإحسان، فأولى بأن يتهاون في شكر من يستوي عنده الشكران والكفران، والأول أقرب لسياق المصنف، وهو الذي فهمه صاحب القوت وغيره، ومن ثم اقتصر عليه القاضي أبو بكر بن العربي؛ حيث قال: الشكر في العربية إخبار عن النعمة المسداة إلى المخبر، وفائدته صرف النعم في الطاعة، وأصل النعم من الله، والخلق وسائط وأسباب، فالمنعم في الحقيقة هو الله، فله الحمد والشكر؛ فالحمد خبر عن حاله، والشكر خبر عن إنعامه وإفضاله، لكن أذن في الشكر للناس لما فيه من تأكيد المحبة والألفة. اهـ .

قال العراقي: رواه الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد، وله ولأبي داود وابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن صحيح. اهـ .

[ ص: 156 ] قلت: أخرجه الترمذي في البر وأخرجه أحمد، وقال الهيثمي: سنده حسن، والضياء في المختارة وابن جرير في التهذيب والحارث بن أبي أسامة، كلهم من حديث أبي سعيد به مرفوعا، وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه ابن جرير، وعن جابر أخرجه الطبراني في الكبير والديلمي، وعن النعمان أخرجه القضاعي في مسند الشهاب، وقد أفرد الحافظ الدمياطي طرقه في جزء .

كذا قال الحافظ السخاوي في المقاصد، قلت: والمراد بقول العراقي نحوه. وقول السخاوي في الباب: هو حديث: لا يشكر الله من لا يشكر الناس، الذي رواه أحمد وأبو داود وابن جرير وابن حبان وصاحب الحلية والبيهقي عن أبي هريرة، وقد أخرجه الطبراني والضياء من حديث جرير، وأخرجه هناد والبيهقي من حديث أبي سعيد، وأخرجه أحمد أيضا من حديث الأشعث ابن قيس، وأخرجه الطبراني في الكبير والدارقطني في الإفراد عن بشر بن أبي المليح عن أسامة عن أبيه عن جده، قال الدارقطني: تفرد به بشر، ولم يرو عنه غير عباد بن سعيد.

وأما حديث النعمان بن بشير الذي أخرجه الطبراني فلفظه: لا يشكر الله عز وجل من لا يشكر الناس. والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب، واختلفوا في ضبط هذا الحديث .

قال ابن الغربي: روي برفع الله والناس وبضمهما، ورفع أحدهما ونصب الآخر .

قال العراقي: والمعروف المشهور في الرواية بضمهما، ويشهد له رواية عبد الله بن أحمد: من لم يشكر للناس لم يشكر لله. اهـ .




الخدمات العلمية