الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فمن لم يتوقف عند الاشتباه كان متبعا لهواه معجبا برأيه وكان ممن وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك وكل من خاض في شبهه بغير تحقيق فقد خالف قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله عليه السلام إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وأراد به ظنا بغير دليل كما يستفتي بعض العوام قلبه فيما أشكل عليه ويتبع ظنه ولصعوبة هذا الأمر وعظمه كان دعاء الصديق رضي الله تعالى عنه اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه ولا تجعله متشابها علي فأتبع الهوى وقال عيسى عليه .

السلام الأمور ثلاثة أمر استبان رشده فاتبعه وأمر استبان غيه فاجتنبه وأمر أشكل عليك فكله إلى عالمه وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أعوذ بك أن أقول في الدين بغير علم فأعظم نعمة الله على عباده هو العلم وكشف الحق والإيمان عبارة عن نوع كشف وعلم ولذلك قال تعالى امتنانا على عبده وكان فضل الله عليك عظيما وأراد به العلم وقال تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال تعالى إن علينا للهدى وقال ثم إن علينا بيانه وقال وعلى الله قصد السبيل .

وقال علي كرم الله وجهه الهوى شريك العمى ومن التوفيق التوقف عند الحيرة ونعم طارد الهم اليقين وعاقبة الكذب الندم وفي الصدق السلامة رب بعيد أقرب من قريب وغريب من لم يكن له حبيب والصديق من صدق غيبه ولا يعدمك من حبيب سوء ظن نعم الخلق التكرم والحياء سبب إلى كل جميل وأوثق العرا التقوى وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله تعالى إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك والرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك وإن كنت جازعا على ما أصيب مما في يديك فلا تجزع على ما لم يصل إليك واستدل على ما لم يكن بما كان فإنما الأمور أشباه والمرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه فما نالك من دنياك فلا تكثرن به فرحا وما فاتك منها فلا تتبعه نفسك أسفا وليكن سرورك بما قدمت وأسفك على ما خلفت وشغلك لآخرتك وهمك فيما بعد الموت .

وغرضنا من نقل هذه الكلمات قوله ومن التوفيق التوقف عند الحيرة فإذن النظر الأول للمراقب نظره في الهم والحركة أهي لله أم للهوى وقد قال صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه استكمل إيمانه لا يخاف في الله لومة لائم ولا يرائي بشيء من عمله وإذا عرض له أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخرة آثر الآخرة على الدنيا وأكثر ما ينكشف له في حركاته أن يكون مباحا ولكن لا يعنيه فيتركه لقوله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .

التالي السابق


(فمن لم يتوقف عند الاشتباه كان متبعا لهواه معجبا برأيه وكان ممن وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ) تقدم في ذم العجب (وكل من خاض في شبهة بغير تحقيق فقد خالف قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله صلى الله عليه وسلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) ، رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة بزيادة ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا الحديث وقد تقدم (وأراد به ظنا بغير دليل كما يستفتي بعض العوام قلبه فيما أشكل عليه ويتبع ظنه ولصعوبة هذا الأمر وعظمه كان دعاء ) أبي بكر (الصديق رضي الله عنه اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه ولا تجعله متشابها علي فأتبع الهوى وقال عيسى عليه السلام الأمور ثلاثة أمر استبان رشده فاتبعه وأمر استبان غيه فاجتنبه وأمر أشكل عليك فكله إلى عالمه ) قال العراقي رواه الطبراني من حديث ابن عباس بسند ضعيف .

(وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أعوذ بك أن أقول في الدين بغير علم ) ، قال العراقي : لم أجده (فأعظم نعمة الله على عباده هو العلم وكشف الحق والإيمان عبارة عن نوع كشف وعلم ولذلك قال تعالى امتنانا على عبده وكان فضل الله عليك عظيما وأراد به العلم وقال تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال تعالى إن علينا للهدى ) أي : دلالة الخير .

(وقال ثم إن علينا بيانه ) أي : كشفه .

(وقال وعلى الله قصد السبيل ) أي : السبيل المعتدل .

(وقال علي كرم الله وجهه الهوى شريك العمى ومن التوفيق التوقف عند الحيرة ) أي : التثبت عند اشتباه الأمور من جملة التوفيق .

( ونعم طارد الهم اليقين وعاقبة الكذب الندم وفي الصدق السلامة رب بعيد أقرب من قريب وغريب من لم يكن له حبيب والصديق من صدق غيبه ولا يعدمك من حبيب سوء ظن نعم الخلق التكرم والحياء سبب إلى كل جميل وأوثق العرى التقوى وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله تعالى إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك والرزق رزقان رزق تطلبه ) أي : تتعنى في تحصيله (ورزق يطلبك ) فيجيء لك من غير تعب (فإن لم تأته أتاك ) وهو قدر القوت .

(وإن كنت جازعا على ما أصيب مما في يديك فلا تجزع على ما لم يصل إليك واستدل على ما لم يكن بما كان فإنما الأمور أشباه والمرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم ليدركه فما نالك من دنياك فلا تكترث به فرحا وما فاتك منها فلا تتبعه نفسك أسفا وليكن سرورك بما قدمت وأسفك على ما خلفت وشغلك لآخرتك وهمك فيما بعد الموت ) أورده الشريف الموسوي في نهج البلاغة مفرقا في مواضع وفيه بعد قوله فإن لم تأته أتاك فلا تحمل هم سنتك على هم يومك فإن الله يأتيك في كل غد جديد ما قسم لك وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهم لما ليس لك ولن يسبقك إلى رزقك طالب ولن يغلبك عليه ولن يبطئ [ ص: 107 ] عنك ما قدر لك (وغرضنا من نقل هذه الكلمات ) مع اختلافها في بعضها وكون كل كلمة منها بإسناد مستقل (قوله ومن التوفيق التوقف عند الحيرة ) وقد مضى معناه .

(فإذا النظر الأول للمراقب نظره في الهم والحركة أهي لله أم للهوى ) وذلك قبل العمل .

(وقد قال صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه استكمل إيمانه ) رجل (لا يخاف في الله لومة لائم ولا يرائي بشيء من عمله وإذا عرض له أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخرة آثر الآخرة على الدنيا ) ، رواه الديلمي وابن عساكر من حديث أبي هريرة وفيه سالم بن عبد الواحد المرادي مختلف فيه وقد تقدم .

(وأكثر ما ينكشف له في حركاته أن يكون مباحا ولكن لا يعنيه ) أي : لا يهتم به (فيتركه لقوله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) ، رواه الترمذي وقال غريب وابن ماجه والبيهقي من حديث أبي هريرة ورواه الشيرازي في الألقاب من حديث أبي ذر ورواه الحاكم في الكنى من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ورواه أحمد والعسكري في الأمثال والطبراني وأبو نعيم وابن عبد البر في التمهيد عن علي بن الحسين عن أبيه رفعه ورواه مالك والترمذي والبيهقي عن علي بن الحسن مرسلا ورواه ابن عساكر عن علي بن الحسين عن الحارث بن هشام ورواه العسكري عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده وقد تقدم .




الخدمات العلمية