الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الصدق الثاني : في النية والإرادة ، ويرجع ذلك إلى الإخلاص ، وهو أن لا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى ، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية ، وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبا كما روينا في فضيلة الإخلاص من حديث الثلاثة حين يسئل العالم ما عملت فيما علمت ؟ فقال : فعلت كذا وكذا ، فقال الله تعالى : كذبت ، بل أردت أن يقال : فلان عالم فإنه لم يكذبه ، ولم يقل له : لم تعمل ، ولكنه كذبه في إرادته ونيته .

وقد قال بعضهم : الصدق صحة التوحيد في القصد .

وكذلك قول الله تعالى : والله يشهد إن المنافقين لكاذبون وقد قالوا : إنك لرسول الله وهذا صدق ولكن كذبهم لا من حيث نطق اللسان بل من حيث ضمير القلب وكان التكذيب يتطرق إلى الخبر .

وهذا القول يتضمن إخبارا بقرينة الحال ؛ إذ صاحبه يظهر من نفسه أن يعتقد ما يقول ، فكذب في دلالته بقرينة الحال على ما في قلبه فإنه ، كذب في ذلك ولم يكذب فيما يلفظ به ، فيرجع أحد معاني الصدق إلى خلوص النية وهو الإخلاص ، فكل صادق فلا بد وأن يكون مخلصا .

التالي السابق


(الصدق الثاني: في النية والإرادة، ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو أن لا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى، فإن [ ص: 76 ] مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية، وصاحبه يجوز أن يسمى صادقا ) يقال: هذا صادق الحلاوة، وهذا صادق الحموضة، أي: محضها، فيرجع هذا إلى نفس الإخلاص (كما روينا في فضيلة الإخلاص من حديث ) أبي هريرة في (الثلاثة حين يسئل العالم ما عملت فيما علمت؟ فقال: فعلت كذا وكذا، فقال الله تعالى: كذبت، بل أردت أن يقال: فلان عالم ) فقد قيل ذلك (فإنه لم يكذبه، ولم يقل له: لم تعمل، ولكنه كذبه في إرادته ونيته .

وقد قال بعضهم: الصدق صحة التوحيد في القصد ) نقله القشيري عن الواسطي، إلا أنه قال: مع القصد. قال صاحب القوت: النية عند عبد الرحيم بن يحيى الأسود هي نفس الإخلاص، وعند غيره هي الصدق في الحال باستواء السريرة والعلانية. وقد قال الجنيد: في الفرق بين الإخلاص والصدق معنى لطيف لم يفسره، ويحتاج إلى تفسير .

حدثنا بعض الأشياخ عنه قال: شهد جماعة على رجل بشهادة، فلم تضره، وكانوا مخلصين، ولو كانوا صادقين لعوقب، يعني أن صدقهم أن لا يعملوا عمله، ومثل عمله الذي شهدوا به عليه، فهذا صدق الحال، وهو حقيقة النية وإخلاصها عند المحققين .

وقال في موضع آخر: والنية عند قوم الإخلاص بعينه، وعند آخرين الصدق، وعند الجماعة أنها صحة العقد وحسن القصد .

(وكذلك قول الله تعالى: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون وقد قالوا: إنك لرسول الله وهذا صدق ولكن كذبهم لا من حيث نطق اللسان بل من حيث ضمير القلب ) أي: فلم يقنع منهم إلا بصدق نياتهم، (وكأن التكذيب يتطرق إلى الخبر، وهذا القول يتضمن إخبارا بقرينة الحال؛ إذ صاحبه يظهر من نفسه أنه يعتقد ما يقول، فكذب في دلالته بقرينة الحال على ما في قلبه، كذب في ذلك ولم يكذب فيما يلفظ به، فيرجع أحد معاني الصدق إلى خلوص النية وهو الإخلاص، فكل صادق فلا بد وأن يكون مخلصا ) وليس كل مخلص صادقا .

وقال الراغب في الذريعة: حد الصدق هو مطابقة القول والضمير والمخبر عنه، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صادقا تاما، بل إما أن لا يوصف بالصدق والكذب، أو يوصف تارة بالصدق وتارة بالكذب على نظرين مختلفين، كقول الكافر إذا قال من غير اعتقاد: محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن هذا يصح أن يقال فيه: كذب؛ لمخالفة قوله ضميره؛ ولهذا كذبهم الله تعالى حيث قال: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون .

وكذلك إذا قال من لم يعلم كون زيد في الدار: إنه في الدار، يصح أن يقال: صدق، وأن يقال: كذب، باعتبار نظرين مختلفين؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ" وفي خبر: "فقد كذب على الله" والمتوسم لا قصد له، فإذا قال: زيد في الدار لا يقال: إنه صدق ولا إنه كذب .




الخدمات العلمية