الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا يمسح القبر ولا يمسه ولا يقبله فإن ذلك من عادة النصارى قال نافع كان ابن عمر رأيته مائة مرة أو أكثر يجيء إلى القبر ، فيقول : السلام على النبي السلام على أبي بكر السلام على أبي وينصرف وعن أبي أمامة قال : رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة فسلم على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ثم انصرف وقالت عائشة ، رضي الله عنها : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم وقال سليمان بن سحيم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت : يا رسول الله هؤلاء الذين يأتونك ويسلمون عليك أتفقه سلامهم ؟ قال : نعم وأرد عليهم وقال أبو هريرة إذا مر الرجل بقبر الرجل يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه ، وإذا مر بقبر لا يعرفه وسلم عليه رد عليه السلام وقال رجل من آل عاصم الجحدري رأيت عاصما في منامي بعد موته بسنتين فقلت : أليس قد مت ؟ قال بلى ، فقلت أين : أنت ؟ فقال : أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى أبي بكر بن عبد الله المزني فنتلاقى أخباركم . قلت : أجسامكم أم أرواحكم ؟ قال : هيهات بليت الأجسام ، وإنما تتلاقى الأرواح ، قال : قلت : فهل تعلمون بزيارتنا إياكم ؟ قال : نعم نعلم بها عشية الجمعة ، ويوم الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس قلت : وكيف ذاك دون الأيام كلها ؟ قال : لفضل يوم الجمعة وعظمه .

التالي السابق


(وأن لا يمسح القبر ولا يمسه) بيده أو بثوبه (ولا يقبله) بفمه (فإن ذلك من عادة النصارى) وكذا السجود عليه [ ص: 365 ] أو إليه، وكل ذلك بدعة منكرة إنما يفعلها الجهال، كما قاله السبكي (قال نافع كان ابن عمر) -رضي الله عنه- (رأيته مائة مرة أو أكثر يجيء إلى القبر، فيقول: السلام على النبي) -صلى الله عليه وسلم- (السلام على أبي بكر) -رضي الله عنه- (السلام على أبي) -رضي الله عنه- (وينصرف) .

رواه ابن أبي شيبة في المصنف، فقال: حدثنا أبو معاوية، عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أراد أن يخرج دخل المسجد فصلى، ثم أتى قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه، ثم يلوي وجهه، وكان إذا قدم من سفر أتى المسجد ففعل ذلك قبل أن يدخل منزله، وقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا خلاد بن يحيى، عن عبد العزيز بن أبي رواد، قال: سمعت نافعا، يقول: كان عبد الله إذا قدم المدينة أتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستقبل وجهه وصلى عليه ودعا له، ثم أقبل على أبي بكر فاستقبل وجهه وصلى عليه ودعا له، ثم أقبل على عمر، فاستقبل وجهه وصلى عليه ودعا له، ثم يقول: يا أبتاه رواه حماد بن زيد عن أيوب مثله (وعن أبي أمامة) بن سهل بن حنيف -رضي الله عنه- (قال: رأيت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة فسلم على النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف وقالت عائشة، رضي الله عنها: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور، وفيه عبد الله بن سمعان، ولم أقف على حاله، ورواه ابن عبد البر في التمهيد من حديث ابن عباس نحوه، وصححه عبد الحق الأشبيلي اهـ .

قلت: إن كان هو عبد الله بن محمد بن أبي يحيى لقبه سحبل واسم أبيه سمعان فهو ثقة وهو الظاهر فإنه ينسب إلى جده، روى له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، مات سنة اثنتين وستين، ويحتمل أن يكون هو عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي المدني، وهو أحد الضعفاء المشهورين اتهمه أبو داود بالكذب، وقد روى له أبو داود في المراسيل وابن ماجه، وهذا هو الذي استقر عليه رأي السيوطي في أمالي الدرة، ولم يذكر الذي قبله، وقرأت في مشارق الأنوار للقاضي عياض ما لفظه: وأما عبد الله بن سمعان فأكثر الناس يقولونه مفتوحا، وكذلك ضبط الشيوخ وسمعناه من كافتهم، وحكى ابن مكي أنه غلط وأن صوابه بالكسر، وحكى القاضي الحافظ أبو علي أن شيخه أبا بكر بن عبد الباقي كان يقول بكسر السين اهـ .

قلت: وهو هكذا بفتح السين بخط الحافظ الذهبي في الديوان، وقال فيه: تركوه، وأما حديث ابن عباس الذي رواه ابن عبد البر في التمهيد فلفظه ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام، وقد رواه كذلك في الاستذكار، وهذا الذي صححه عبد الحق في العاقبة، وروي نحو ذلك من حديث أبي هريرة: ما من رجل يزور قبر أخيه فيسلم عليه ويقعد عنده إلا رد عليه السلام وأنس به حتى يقوم من عنده. رواه أبو الشيخ والديلمي (وقال سليمان بن سحيم) : أبو أيوب المدني صدوق، روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النوم فقلت: يا رسول الله هؤلاء الذين يأتونك ويسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال: نعم وأرد عليهم) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور، وأورده أيضا عياض في الشفاء .

وقد روى أبو داود وابن ماجه حديث أبي هريرة: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام. ورواه البيهقي بلفظ: ما من عبد يسلم علي عند قبري إلا وكل الله بها ملكا يبلغني وكفي أمر آخرته ودنياه، وكنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة، وعند ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة: من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا بلغته، قال صاحب المواهب: ولا شك أن حياة الأنبياء عليهم السلام ثابتة مستمرة، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أكمل وأتم من حياة سائرهم، فإن قال سقيم الفهم: لو كانت حياته -صلى الله عليه وسلم- مستمرة ثابتة كان لرد روحه معنى، كما قال: إلا رد الله علي روحي يجاب عن ذلك من وجوه; أحدها: أن ذلك إعلام بثبوت وصف الحياة دائما لثبوت رد السلام دائما فوصف الحياة لازم لرد السلام اللازم واللازم يجب وجوده عند وجود ملزومه أو ملزوم ملزومه فوصف الحياة لازم ثابت دائما; لأن ملزوم ملزومه ثابت دائما، وهذا من نفاثات سحر البيان في إثبات المقصود بأكمل أنواع البلاغة وأكمل فنون البراعة التي هي قطرة من بحار بلاغته العظمى (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (إذا مر الرجل بقبر الرجل يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام [ ص: 366 ] وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام) .

رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة مرفوعا .

وفي لفظ آخر من حديث: ما من عبد مر على قبر رجل يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام، رواه كذلك ابن أبي الدنيا في القبور والصابوني في المائتين (وقال رجل من آل عاصم الجحدري) منسوب إلى جحدر قبيلة من ربيعة بن نزار (رأيت عاصما) المذكور (في منامي بعد موته بسنتين) وفي نسخة بسنين (فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلي، فقلت: فأين أنت؟ قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فنتلاقى أخباركم .

قلت: أجسامكم أم أرواحكم؟ قال: هيهات بليت الأجسام، وإنما تتلاقى الأرواح، قال: قلت: فهل تعلمون بزيارتنا إياكم؟ قال: نعم نحن نعلم بها عشية الجمعة، ويوم الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس، وقلت: وكيف ذاك دون سائر الأيام كلها؟ قال: لفضل يوم الجمعة وعظمه) ، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور، والبيهقي في الشعب .




الخدمات العلمية