الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام .

وقال محمد بن عبد العزيز جلسنا إلى أحمد بن رزين من غدوة إلى العصر فما التفت يمنة ولا يسرة فقيل له في ذلك فقال إن الله عز وجل خلق العينين لينظر بهما العبد إلى عظمة الله تعالى فكل من نظر بغير اعتبار كتبت عليه خطيئة وقالت امرأة مسروق ما كان يوجد مسروق إلا وساقاه منتفختان من طول الصلاة .

وقالت والله إن كنت أجلس خلفه فأبكي رحمة له .

وقال أبو الدرداء لولا ثلاث ما أحببت العيش يوما واحدا الظمأ لله بالهواجر والسجود لله في جوف الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر وكان الأسود بن يزيد يجتهد في العبادة ويصوم في الحر حتى يخضر جسده ويصفر فكان علقمة بن قيس يقول له لم تعذب نفسك فيقول كرامتها أريد .

وكان يصوم حتى يخضر جسده ويصلي حتى يسقط فدخل عليه أنس بن مالك والحسن فقالا له إن الله عز وجل لم يأمرك بكل هذا فقال إنما أنا عبد مملوك لا أدع من الاستكانة شيئا الا جئت به .

وكان بعض المجتهدين يصلي كل يوم ألف ركعة حتى أقعد من رجليه فكان يصلي جالسا ألف ركعة فإذا صلى العصر احتبى ثم قال عجبت للخليقة كيف أرادت بك بدلا منك عجبت للخليقة كيف أنست بسواك بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواك وكان ثابت البناني قد حببت إليه الصلاة فكان يقول اللهم إن كنت أذنت لأحد أن يصلي لك في قبره فائذن لي أن أصلي في قبري .

التالي السابق


( وكانوا يكرهون من فضول النظر كما يكرهون من فضول الكلام ) ، رواه أبو نعيم في الحلية فقال حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب حدثنا أبو حاتم حدثنا محمد بن يحيى بن عمر الواسطي حدثنا محمد بن بشير حدثنا حفص بن عمر الجعفي قال دخل رجل على داود الطائي فقال يا أبا سليمان بعت كل شيء في الدار حتى التراب وبقيت تحت نصف سقف فلو سويت هذا السقف فكان يكنك من الحر والمطر والبرد فقال داود اللهم غفرا كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام يا عبد الله اخرج عني فقد شغلت علي قلبي إني أبادر جفوف القلم وطي الصحيفة حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبو موسى الأنصاري حدثنا عبادة بن كليب قال قال رجل لداود الطائي لو أمرت بما في سقف البيت من نسج العنكبوت فينظف قال له أما علمت أنه كان يكره فضول النظر حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا محمد بن يحيى بن منده حدثنا الحسن بن منصور بن مقاتل حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا عبد الرحمن بن مصعب قال رئي على داود الطائي جبة متخرقة فقال له رجل لو خيطتها قال أما علمت أنه نهي عن فضول النظر حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد حدثنا عبد الله بن أحمد بن سوادة حدثنا عباس الترفقي سمعت معاوية بن عمرو يقول كنا عند داود الطائي يوما فدخلت الشمس من الكوة فقال له بعض من حضر لو أذنت لي سددت هذه الكوة فقال كانوا يكرهون فضول النظر وكنا عنده يوما آخر فإذا فروه قد تخرق وخرج خمله فقال له بعض من حضر لو أذنت لي خيطته فقال كانوا يكرهون فضول الكلام .

(وقال ) أبو روح (محمد بن عبد العزيز ) الجرمي ويقال الراسبي البصري ثقة روى له البخاري ومسلم والترمذي (جلسنا إلى أحمد بن رزين من غدوة إلى العصر فما التفت يمينا ولا يسرة ) وذلك لكمال مراقبته لجلال الله وعظمته (فقيل له في ذلك فقال إن الله عز وجل خلق العينين لينظر بهما العبد إلى عظمة الله تعالى ) وجلاله وهذا شكرهما (فكل من نظر بغير اعتبار كتبت عليه ) نظرته (خطيئة وقالت امرأة مسروق ) بن الأجدع الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي تابعي جليل روى له الأربعة وامرأته هي نمير كأمير ابنة عمرو الكوفية روى لها أبو داود والنسائي (ما كان يوجد مسروق إلا وساقاه منتفختان من طول الصلاة ) بالليل .

(وقالت والله إن كنت لأجلس خلفه فأبكي رحمة له ) ، رواه المزي في التهذيب من طريق أنس بن سيرين عنها قالت كان مسروق يصلي حتى تورم قدماه فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه وقال الشعبي غشي على مسروق في يوم صائف وهو صائم وكانت [ ص: 123 ] عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنته فسمى ابنته عائشة وكان لا يعصي ابنته شيئا فنزلت إليه فقالت يا أبتاه أفطر واشرب قال ما أردت بي يا بنية قالت الرفق قال يا بنية إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .

(وقال أبو الدرداء ) رضي الله عنه (لولا ثلاث ما أحببت العيش يوما واحدا الظمأ لله بالهواجر والسجود لله في جوف الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما تنتقى أطايب التمر ) ، رواه أبو نعيم في الحلية فقال حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا بشر بن موسى حدثنا أبو عبد الرحمن المقرني حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن عبد الله بن الوليد عن عباس بن خليد الحجري عن أبي الدرداء أنه قال لولا ثلاث خصال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا فقلت وما هن قال لولا وضوع وجهي للسجود لخالقي واختلاف الليل والنهار يكون تقدمه لحياتي وظمأ الهواجر ومقاصدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة وتمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه في مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حاجزا بينه وبين الحرام أن الله قد بين لعباده الذي هو يصيرهم إليه قال الله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فلا تحقرن شيئا من الشر أن تتقيه ولا شيئا من الخير أن تفعله (وكان الأسود بن يزيد ) بن قيس النخعي أبو عمرو يقال أبو عبد الرحمن الكوفي أبو عبد الرحمن بن يزيد وابن أخي علقمة بن قيس وكان أسن من علقمة والد عبد الرحمن وقال إبراهيم توفي بالكوفة سنة خمس وأربعين روى له الجماعة (يجتهد في العبادة ويصوم في الحر حتى يخضر جسده ويصفر فكان علقمة بن قيس ) بن عبد الله بن مالك النخعي أبو شبل عم الأسود وعبد الرحمن بن يزيد وقال إبراهيم (يقول له لم تعذب نفسك فيقول كرامتها أريد ) ، رواه أبو نعيم في الحلية فقال حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن حدثنا أبو حميد الحمصي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا يزيد بن أبي عطاء عن علقمة بن مرثد قال انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم الأسود بن يزيد كان يجتهد في العبادة يصوم حتى يخضر جسده ويصفر وكان علقمة بن قيس يقول له لم تعذب هذا الجسد قال راحة هذا الجسد أريد ورواه أحمد في الزهد فقال حدثنا حجاج حدثنا محمد بن طلحة عن عبد الرحمن بن ثروان الأودي قال كان الأسود بن يزيد يجهد نفسه في الصوم والعبادة حتى يخضر جسده ويصفر وكان علقمة يقول له ويحك كم تعذب هذا الجسد فيقول إن الأمر جد إن الأمر جد قال وحدثنا معمر بن سليمان الرقي حدثنا عبد الله بن بشر أن علقمة والأسود حجا وكان الأسود صاحب عبادة وصام يوما فراح الناس بالهجير وقد تربد وجهه فأتاه علقمة فصرب على فخذه فقال ألا تتقي الله يا أبا عمر وفي هذا الجسد علام تعذب هذا الجسد فقال الأسود يا أبا شبل الجد الجد وروى أبو نعيم من طريق علي بن مدرك قال قال علقمة للأسود لم تعذب هذا الجسد وهو يصوم قال الراحة أريد له وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين حدثنا الحنش بن الحارث قال رأيت الأسود بن يزيد قد ذهبت إحدى عينيه من الصوم (وكان يصوم حتى يخضر جسده ويصلي حتى يسقط ) مغشيا عليه (فدخل عليه أنس بن مالك ) رضي الله عنه (والحسن) البصري رحمه الله تعالى (فقالا له إن الله تعالى لم يأمرك بكل هذا فيقول إنما أنا عبد مملوك لا أدع من الاستكانة شيئا إلا جئت به ) قال ميمون أبو حمزة سافر الأسود ثمانين حجة وعمرة لم يجمع بينهما وسافر ابنه عبد الرحمن أيضا كذلك وقال غيره كان عبد الرحمن بن الأسود يصلي كل يوم سبعمائة ركعة وكانوا يقولون إنه أقل أهل بيته اجتهادا قال وكانوا يسمون آل الأسود من أهل الجنة وسئل الشعبي عن علقمة والأسود فقال كان الأسود صواما قواما كثير الحج وكان علقمة مع البطء ويدرك السريع وقال إبراهيم كان علقمة يقرأ القرآن في خمس والأسود في ست وعبد الرحمن بن يزيد في سبع وقال الشعبي إن كان أهل بيت خلقوا للجنة فهم أهل هذا البيت علقمة والأسود وعبد الرحمن (وكان بعض المجتهدين يصلي كل يوم ألف ركعة حتى أقعد من رجليه فكان يصلي جالسا ألف ركعة فإذا صلى العصر احتبى ثم قال عجبت للخليقة كيف أرادت بك بدلا منك عجبت للخليقة كيف أنست بسواك بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواك وكان ) أبو [ ص: 124 ] محمد (ثابت ) بن أسلم (البناني ) البصري رحمه الله تعالى وبنانة هم بنو سعد بن لؤي بن غالب قال ابن عدي هو من تابعي البصرة وزهادهم ومحدثيهم (قد حبب إليه الصلاة فكان يقول اللهم إن كنت أذنت لأحد أن يصلي لك في قبره فائذن لي أن أصلي في قبري ) ، رواه أبو نعيم في الحلية فقال حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن حدثنا أحمد بن الفضيل المكي حدثنا حمزة بن ربيعة حدثني ابن شوذب قال سمعت ثابتا البناني يقول اللهم إن كنت أعطيت أحدا من خلقك أن يصلي لك في قبره فأعطني حدثنا أبو حامد بن جبلة حدثنا محمد بن إسحاق السراج حدثنا عمر بن شيبة حدثنا يوسف بن عطية سمعت ثابتا يقول لحميد الطويل هل بلغك يا أبا عبيدة أن أحدا يصلي في قبره إلا الأنبياء قال لا قال ثابت اللهم إن أذنت لأحد أن يصلي في قبره فائذن لثابت أن يصلي في قبره قال وكان ثابت يصلي قائما حتى يعيا فإذا عيي جلس فصلى وهو جالس ويحتبي في قعوده ويقرأ فإذا أراد أن يسجد وهو جالس حل حبوته حدثنا عثمان بن محمد العثماني حدثنا إسماعيل بن علي الكرابيسي حدثني محمد بن سنان الفزار حدثنا سيار بن حبيش عن أبيه قال أنا والله الذي لا إله إلا هو أدخلت ثابتا البناني لحده ومعي حميد الطويل أو رجل غيره شك محمد قال فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا أنا به يصلي في قبره فقلت للذي معي ألا ترى قال اسكت فلما سوينا عليه التراب وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها ما كان عمل ثابت قالت وما رأيتم فخبرناها فقالت كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر قال في دعائه اللهم إن كنت أعطيت أحدا من خلقك الصلاة في قبره فأعطنيها فما كان الله تعالى ليرد ذلك الدعاء .




الخدمات العلمية