الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها المبهم وهو اللفظ المشترك بين معان من كلمة ، أو حرف أما الكلمة فكالشيء والقرين والأمة والروح ونظائرها قال الله تعالى : ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء أراد به النفقة مما رزق وقوله عز وجل وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء أي الأمر بالعدل والاستقامة وقوله عز وجل فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء أراد به من صفات الربوبية وهو العلوم التي لا يحل السؤال عنها حتى يبتدئ بها العارف في أوان الاستحقاق .

وقوله عز وجل أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أي من غير خالق فربما يتوهم به أنه يدل على أنه لا يخلق شيء إلا من شيء .

وأما القرين فكقوله عز وجل وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار أراد به الملك الموكل به وقوله تعالى قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان أراد به الشيطان .

التالي السابق


(ومنها) المكنى (المبهم) المشتبه، (وهو) أي: المبهم (اللفظ المشترك بين معان) مختلفة (من كلمة، أو حرف) ، اعلم أن معرفة الوجوه والنظائر في الكتاب العزيز أمر مهم، وقد صنف فيه غير واحد من المتقدمين والمتأخرين فالوجوه في اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان، كلفظ الأمة، والنظائر كالألفاظ المتواطئة، وقيل: النظائر في اللفظ، والوجوه في المعاني وضعف لأنه لو أريد هذا لكان الجميع في الألفاظ المشتركة، وهم يذكرون في تلك الكتب اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة، فيجعلون الوجوه نوعا لأقسام، والنظائر نوعا آخر، وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن، حيث كانت الكلمة الواحدة إلى عشرين وجها وأكثر وأقل، ولا يوجد ذلك في كلام البشر، وقد تقدم من قول أبي الدرداء - رضي الله عنه - لا يكون الرجل فقيها حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة، وقد يروى مرفوعا، وتقدم ما المراد منه .

وقد فسره بعضهم بأن المراد أن ترى اللفظ الواحد يحتمل معاني متعددة فيحمله عليها إذا كانت غير متضادة، ولا يقتصر به على معنى واحد، وإليه أشار المصنف بقوله: (أما الكلمة فكالشيء والقرين والأمة والروح ونظائرها) ، منها الهدى، والصلاة، والسوء، والرحمة، والفتنة، والقضاء، والذكر، والدعاء، والإحصان، (قال الله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء أراد به) أي بالشيء هنا (النفقة مما رزق) ، ولفظ القوت: الإنفاق مما رزق الله، (وقال تعالى) بعده ( وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء) ، وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير، (أي الأمر بالعدل والاستقامة) على الهدى، فالمراد بالشيء هنا غير الذي أراده في الأول، (وقال تعالى) إخبارا عن قول الخضر لموسى عليهما السلام ( فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء ) هذا الموضع وصف مخصوص (أراد به من صفات الربوبية) من العلم الذي علمه الخضر من لدنه، (وهي العلوم التي لا يحل السؤال عنها حتى يبتدئ بها العارف في أوان الاستحقاق) ، فلذلك كنى عنه .

قال صاحب القوت: وكذلك العلم على ضربين ضرب لا يصلح أن يبتدأ به حتى يسأل عنه، وهو مما لا يضيق علمه [ ص: 550 ] فلذلك وسع جهله، وحسن كتمه، وعلم لا ينبغي أن يسأل عن معاني صفات التوحيد، ونعوت الوحدانية، لا يوكل إلى العقول، بل يخص به المراد المحمول بعلم الخضر الذي شرط على موسى أن لا يسأل عنه حتى يبادئه به من هذا النوع، والله غالب على أمره (و) مثله (قوله تعالى أم خلقوا من غير شيء ) أم هم الخالقون يعني الله تعالى (أي) كيف يكون خلق (من غير خالق) ، ففي وجودهم دليل على إثبات الخالق سبحانه وتعالى (فربما يتوهم به أنه يدل على أنه لا يخلق شيء إلا من شيء) .

قال صاحب القوت: روينا ذلك عن ابن عباس وزيد بن علي قالا في هذه الآية: من غير شيء أي من غير رب، كيف يكون خلق من غير خالق؟! (وأما القرين، كقوله تعالى قال قرينه ربنا ما أطغيته أراد به الشيطان) المقرون به، (وقوله تعالى وقال قرينه هذا ما لدي عتيد أراد به الملك الموكل به) ، أي بعمله، وإطلاق القرين على كل منهما صحيح جائز، ومثل ذلك قوله: والله فضل بعضكم على بعض فالبعض الأول المفضل هم الأحرار، والبعض الآخر المفضول هم المماليك .




الخدمات العلمية